أحيت تونس والصين بداية 2024 الذكرى الـ60 لاقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما ، وهو ما يدل على عراقة العلاقة بين البلدين .
وقد عبرت الصين في اكثر من مناسبة عن استعدادها ومواصلتها دعم المسار التنموي في تونس من خلال مساهمتها في انجاز عدد من المشاريع الكبرى المتعلقة خاصة بالبنية التحتية في عدد من جهات الجمهورية .
وتجدر الإشارة الى ان الصين تساهم في عدد من المشاريع في تونس من بينها مشروع جسر بنزرت الجديد الذي تنجزه شركة صينية وتتواصل اشغاله الى اليوم ، إضافة الى مشروع تجديد ملعب المنزه الأوليمبي ومشروع منجم أم لخشيب للفوسفاط .
كما تحدث السفير الصيني بتونس وعدد من المسؤولين بالدولتين عن إمكانية مساهمة الصين في عدد من المشاريع المستقبلية بتونس على غرار مشروع توسعة مطار تونس قرطاج ومشروع خط السكة الحديد السريعة ومشروع ميناء النفيضة للمياه العميقة وتجديد المنشآت الرياضية.
وأكد خبراء ومحللون أن الصين تسعى اليوم الى تعزيز تواجدها بالدول العربية والقارة الافريقية باعتبار انها سوق واعدة ، حيث أصبح حضورها المتنامي يعكس أولوياتها من الناحية الاقتصادية والسياسية، ومن الواضح أن الأمر يتعلق أولًا بضمان التفوق التجاري والتنمية الاقتصادية للصين، ويتطلب هذا التطور داخليًّا وخارجيًّا تأمين المواد الأولية الاستراتيجية.
التبادل التجاري بين تونس والصين غير متكافئ
سجل الميزان التجاري لتونس مع الصين عجزا بقيمة 8532 مليون دينار في 2022 . وتقدر قيمة صادرات تونس ب133 مليون دينار مقابل واردات من البلد ذاته تقدر بقيمة 8665 مليون دينار .
وسّجلت الصادرات التونسّية الى بيكين تراجعا بسبب تقّلص الصادرات من زيت الزيتون بنسبة 90 بالمائة تبعا لتشريع صيني جديد في ما يتعّلق بالصناعات الغذائية ، الذي تعمل المؤسسات التونسية باتجاه التأقلم مع شروط ، وفق ما أكده المدير المساعد بمركز النهوض بالصادرات رياض عطية .
ويذكر أن مبادلات السلع مع 6 دول تتصدرها الصين وروسيا عمقت عجز الميزان التجاري لتونس البالغ مع موفى سبتمبر 2023 ، قرابة 13 مليار دينار في ظل بيانات عن عجز مسجل مع الصين لوحدها قارب 2ر6 مليار دينار.
وأكد المعهد الوطني للاحصاء في بيانات نشرها نهاية 2023 حول التجارة الخارجية ان الصين احتلت صدارة الدول التي تحقق فائضا لصالحها في تعاملها التجاري مع تونس على الرغم من تراجع واردات تونس من بكين بنسبة 8ر6 بالمائة مع موفي سبتمبر 2023، علما وان واردات تونس من تركيا المستفيدة من المبادلات التجارية ، تقلص بنسبة 27 بالمائة.
فرص استثمار واعدة لكنها مهدورة
أظهرت إمكانيات التبادل وآفاق الشراكة بين تونس والصين، أن بإمكان تونس توجيه صادرات إضافية إلى السوق الصينية بقيمة 200 مليون دولار أي حوالي 600 مليون دينار، ما يعادل أربع مّرات أكثر من قيمة مبيعات تونس الحالية للصين، بحسب المدير المساعد بإدارة النهوض بالصادرات بمركز النهوض بالصادرات رياض عطّية .
وقال انه هناك عدد من المنتوجات تشكل فرصا للتصدير نحو الصين على غرار منتجات البحر والنواقل الكهربائية ، مشيرا الى ان تونس لا تستغل سوى 3 بالمائة، فقط، من فرص تصدير زيت الزيتون، التي تتيحها السوق الصينية بالنسبة لهذا المنتج .
من جهتها ، اعتبرت نائب رئيس منظمة “كوناكت” سلمى اللومي، أن بذل جهود إضافية جد ضروري لتنمية وتنويع العالقات التجارية والاستثمار بين تونس والصين.
وقالت “هذا ممكن مع الفرص المتوفرة في مجال التكنولوجيات الخضراء والطاقات المتجددة والصّحة والمواد الصيدلانية ومواد البناء وتطوير البنية التحتية والتجديد الرقمي وغيرها” .
وأبرز مدير عام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، جلال الطبيب، أّنه مع 19 مؤسسة ذات مساهمة صينية من إجمالي 3700 مؤسسة أجنبية موجودة في تونس، تبقى الشراكة الصينية التونسّية دون المأمول.
ويقدر الاستثمار الصيني في تونس ب50 مليون دينار وهي قيمة تعد ضعيفة مقارنة بالمبادلات التجارّية الصينية التونسّية .
وقدر حجم التجارة بين تونس والصين من جانفي إلى حدود أفريل 2023 ب763 مليون دولار أي بزيادة سنوية في حدود 12،5 بالمائة .
وتعد الصين رابع شريك تجاري لتونس وأّول شريك آسيوي.
مبادرة حزام والطريق
حققت الصين بفضل هذه المبادرة في مجال التعاون الدولي منذ إطلاقها خلال العشرية الماضية حيث تم توقيع أكثر من 200 اتفاقية تعاون مع 151 دولة و32 منظمة دولية في إطار هذه المبادرة.
كما تم إنشاء مشاريع عديدة في بلدان كثيرة تتعلق بالبنية التحتية في مجال النقل والطاقات المتجددة والتعليم والبحث العلمي والتكنولوجي وكذلك تم تمويل مشاريع تتعلق بالفلاحة ومكافحة التصحر والصحة وغيرها.
وبلغ حجم استثمارات الشركات الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق ما يعادل تريليون دولار أميركي موجهة لقرابة السبعين في المائة من سكان العالم.
وفيما يتعلق بتونس التي وقعت مع الصين مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق سنة 2018 فقد تم الإنتهاء من بعض مشاريع البنى التحتية الكبرى على غرار المستشفى الجامعي بصفاقس الذي تم تدشينه سنة 2020، كما تم تحديث قناة مجردة الوطن القبلي لضمان إيصال مياه الري الفلاحي إلى شرق البلاد.
وتعتبر الأكاديمية الديبلوماسية أيضا من أهم مشاريع التعاون بين الجانبين التونسي والصيني وذلك بالإضافة إلى المركز الشبابي والرياضي ببن عروس الذي أصبح متنفسا هاما لشباب الولاية منذ إتمام إنشائه في السنوات الأخيرة.
الواقع والتحديات
أكدت الأرقام أن حجم التعاون بين تونس والصين ضعيف ولا يرتقي إلى مستوى تعاون الأخيرة مع المغرب والجزائر رغم ما لتونس من إمكانيات تجعلها قادرة على إفادة الجانب الصيني ولا تستفيد منه فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن الموقع الجغرافي لتونس ، حيث انها تربط بين دول أوروبا وافريقية واطلالها على البحر الأبيض المتوسط ومضيق صقلية الذي تشرف عليه مع إيطاليا والذي تتواجد حركة ملاحة بحرية على غاية من الأهمية على الطريق الرابط بين غرب أوروبا وشرق آسيا ، يجعل منها دولة جاثبة لمزيد الاستثمارات الصينية في تونس بفرص متوازنة .
بالاضافة إلى أن تونس تزخر بالكفاءات علمية ومعرفية واليد عاملة المدربة تدريبا جيدا ، وبالتالي فإن موقع تونس الجغرافي ودورها التاريخي الحضاري في منطقتها وكفاءاتها في كل المجالات لا يتناسبون مع وضعها الهامشي في طريق الحرير وفي مستوى التبادل التجاري الحاصل بين البلدين حاليا .