مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 ورغم الغموض الذي يلّف تاريخ إجرائها الرسمي، غير أنّ ذلك لم يمنع التونسيين من الترشح وخوض حملات انتخابية سابقة لآوانها، إجراء الانتخابات يعني تشكيل حكومة جديدة تنضاف لسجل الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ ثورة 2011 إلى غاية اليوم.
تعاقب الحكومات على تونس تعذّر معه تثمين هذا التقليد باعتباره سُنَّة ديمقراطية ترافق جميع التحولات، أم ازدرائه لأنّ كثرته دليل على عدم الاستقرار السياسي وإضعاف للمسار الديمقراطي وتهديده.
المحلل السياسي مراد علاّلة، في تصريح لتونيبيزنس، اعتبر أنّ مبدأ التداول على السلطة هو سنّة حميدة، لكن أن يصبح المبدأ هو الإكثار من التحويرات والتغييرات، فذلك من شأنه أن يؤدي إلى غياب البرامج وعدم الاستقرار، وفق تعبيره.
إصلاحات في مهب الريح
لا يمكن تجاهل أنّ تغيير الحكومات رغم قصر مدّة عملها، من شأنه أن يطرح عديد الاشكالات خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي رافقت التحول الديمقراطي في تونس ورهاناته وأيضا من شأنه أن يعيق تنفيذ الإصلاحات التي قامت عليها الثورة.
وبحسب تقدير المتحدث، ” لا وجود اليوم لسياسات عمومية أو برامج ولا خطط وطنية في أي مجال، عندما يتم التداول على نفس الوزارة أكثر من عشر وزراء في عشرية واحدة، كيف يمكن أن يفكر الوزير في وضع خطط وطنية واستراتيجيات”.
وأشار في السياق ذاته، إلى أنّ هناك بعض الوزراء ينغمسون في تغيير كوادر الوزارة والخطط الوظيفية التي وضعها أسلافهم، أكثر من انشغالهم بإنجاز المشاريع وتنفيذ الإصلاحات.
وتساءل المحلل، “هل بهذه المقاربة يمكن الحديث عن تطوير تجربة ديمقراطية واجتماعية واقتصادية، ما كان يمكن أن يكون نموذجا في المنطقة كثير من الشوائب جعلته في وضعية صعبة، حتى مكاسب الدولة الوطنية لم نستطع الحفاظ عليها في بعض الخدمات والقطاعات على غرار الصحة والتعليم والنقل”.
وتابع، “باستثناء هامش الحرية في تقديري الذي افتكه التونسيين بعد الثورة والطابع السلمي في التجربة الديمقراطية، لا وجود لأي مكاسب وإنجازات أخرى، وهو أمر غير كاف ولابد من التغيير”.
عدد لا حصر له..
14 حكومة مرّت على تونس منذ انهيار النظام السابق الذي انتهى بثورة 14 جانفي 2011 ، إليك تفاصيلها:
حكومة محمد الغنوشي الأولى (17 جانفي 2011- 27 جانفي 2011)
-ضمت هذه الحكومة برئاسة محمد الغنوشي 38 وزيرا وكتاب دولة، لم يدم عملها سوى 10 أيام فقط بعد أن شهدت العديد من الخلافات والاستقالات.
حكومة محمد الغنوشي الثانية (27 جانفي 2011 ـ 7 مارس 2011)
ـ تشكلت هذه الحكومة على إثر خلافات واحتجاجات بسبب وجود رموز من النظام السابق صلب الحكومة المؤقتة واستقالة عدد من الوزراء، تم تعديل الحكومة والتي ضمت 33 وزيرا وكتاب دولة.
حكومة الباجي قايد السبسي (7 مارس 2011 ـ 22 ديسمبر 2011)
ـ تشكلت بعد استقالة الوزير الأول السابق محمد الغنوشي في 27 فيفري 2011، واستقالة بعض الوزراء، وكانت قد ضمت 31 وزيرا وكتاب دولة، من بينهم من حافظ على منصبه.
حكومة حمادي الجبالي (24 ديسمبر 2011 ـ 13 مارس 2013)
ـ أوّل حكومة يقع تشكيلها على إثر انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر2011، منحها المجلس الثقة بأغلبية 154 صوتا
-ترأسها حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة آنذاك، تكونت من 30 وزيرا و11 كاتب دولة.
حكومة علي العريض (13 مارس 2013 ـ 23 جانفي 2014)
ـ تسلمت حكومة علي العريض الحكم بعد استقالة الجبالي على إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013، وتكونت الحكومة من 27 وزيرا و10 كتاب دولة.
حكومة مهدي جمعة (29 جانفي 2014 ـ 6 فيفري 2015)
-بعد دعوات المعارضة باستقالة حكومة علي العريض على خلفية إغتيال القيادي في التيار القومي الشهيد محمد البراهمي 25 جويلية 2013.
-انعقد حوار وطني نتج عنه تشكيل حكومة مهدي جمعة التكنوقراط من 21 وزيرا و7 كتاب دولة من المستقلين.
حكومة الحبيب الصيد الأولى (6 فيفري 2015 ـ 6 جانفي 2016)
ـ أفرزت الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014 فوز حزب نداء تونس بأغلبية المقاعد.
ـ تمّ على إثرها تكليف الحبيب الصيد بتشكيل الحكومة التي تكونت من 26 وزيرا و14 كاتب دولة.
حكومة الحبيب الصيد الثانية (6 جانفي 2016 ـ 29 أوت 2016)
ـ أجرى الحبيب الصيد تعديلا وزاريا ألغى من خلاله كافة مناصب كتاب الدولة، واحتفظ بـ 32 وزير فقط.
حكومة يوسف الشّاهد الأولى (28 أوت 2016 ـ 6 نوفمبر 2018)
ـ بعد فشل الصيد في نيل ثقة البرلمان مجددا نهاية جويلية 2016، كلّف الرئيس الراحل قائد السبسي، حينها وزير الشؤون المحلية يوسف الشاهد، بتشكيل حكومة جديدة من 26 وزيرا و14 كاتب دولة نالت ثقة البرلمان.
حكومة يوسف الشّاهد الثانية (14 نوفمبر 2018 ـ 28 فيفري2020)
-أعلن الشاهد تعديلا وزاريا عيّن بموجبه 11 عضوا جديدا في الحكومة، في حين غادرها 7 وزراء.
ـ حصل الوزراء على ثقة البرلمان يوم 12 نوفمبر ، وأصبحت الحكومة تتكون من 28 وزيرا و14 كاتب دولة.
حكومة إلياس الفخفاخ (28 فيفري 2020 ـ 3 سبتمبر 2020)
ـ بعد فشل حكومة مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان يوم 11 جانفي 2020، كلف الرئيس قيس سعيد القيادي في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات إلياس الفخفاخ، بتشكيل الحكومة التي ضمت 29 وزيرا و3 كتاب دولة.
حكومة هشام المشيشي (3 سبتمبر 2020 ـ 25 جويلية 2021)
ـ بعد استقالة الفخفاخ في 16 جويلية 2020، على خلفية قضية تضارب مصالح رفعتها ضده الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
-كلف الرئيس قيس سعيد وزير الداخلية آنذاك هشام المشيشي بتشكيل الحكومة التي تكونت من 25 وزيرا و3 كتاب دولة.
حكومة نجلاء بودن (11 أكتوبر 2021 – 1 أوت 2023)
ـ بعد مضي أكثر من شهرين على إقالة حكومة هشام المشيشي، أعلن رئيس الجمهورية عن تشكيل الحكومة الجديدة التي تترأسها نجلاء بودن، وتضم 25 وزيرا وكاتبة دولة.
حكومة أحمد الحشاني ( 2 أوت 2023-…)
-كلّفه رئيس الجمهورية برئاسة الحكومة بعد إقالة نجلاء بودن، حافظت حكومته على أسماء عديدة من الحكومة السابقة فيما أجرى تعديلات على أخرين.
صلاحيات محدودة
منذ إقرار دستور 25 جويلية 2022، تقلّصت صلاحيات رئيس الحكومة حيث عادت صلاحية تكليفه إلى رئيس الجمهورية دون نيل الثقة من البرلمان كما هو الحال في دستور 2014 الذي يقتضي موافقة البرلمان بالأغلبية المطلقة للأصوات عليها.
كما أصبح رئيس الحكومة وأعضائها مسؤولون أمام رئيس الجمهورية، لكن يمكن لمجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين، توجيه لائحة لوم للحكومة في حال مخالفتها السياسة العامة للدولة.
وفي هاته الحال يمكن أن يقبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة بالضرورة، إذا تمت المصادقة على لائحة اللوم بالأغلبية المطلقة للأصوات في المجلسين.
الحكومة الحالية أداء هزيل
وفي تقييمه لأداء الحكومة الحالية اعتبر المحلل السياسي مراد علالة، في حديثه لتونيبيزنس، أنّ هذه الحكومة لا ترتقي حتى لتصريف الأعمال، مشيرا إلى وجود هاجس يعيش على وقعه بعض الوزراء وهو الخوف من إقالتهم وتغييرهم في أي لحظة، ما يعني عدم قدرتهم على الفعل والتخطيط والإنجاز، وفق تقديره.
وأضاف، “هناك ضغط كبير مسلط على الوزراء يضعهم موضع شلل وفقدان المبادرة، إلى جانب
إثقال كاهل بعض الوزراء بأكثر من حقيبة، لاسيما وأنهم لم يبرهنوا من الأساس على نجاح وزارتهم فكيف الحقائب الإضافية”، بحسب قوله.
وعلّق علاّلة، على أنّ السياسة العامة للدولة التي يضبطها رئيس الجمهورية وتنفذها الحكومة، لا آثر لها إلى حدود اللحظة على أرض الواقع، ولا نعلم ما بصدد الحكومة الحالية تنفيذه، على حد تعبيره.
ينّص الفصل 111 من دستور 2022 على أنّ الحكومة تسهر على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهوّرية.
انتخابات رئاسية دون موعد
رأى المحلل، أنّه “من الغريب ألاّ يتّم إلى الآن الإعلان عن موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية رغم الاقتراب من نهاية السنة، والناخب التونسي لا يعلم متى ستجرى، رغم دخولنا في الزمن الانتخابي والحملات الانتخابية لمن رشحوا أنفسهم، لكنه من غير المعقول أن يظل التاريخ مجهولا”.
وفي سياق متّصل، لفت المتحدّث، إلى أنّ الأزمة المركبة التي تعيشها تونس تراوح مكانها وهناك إشكالات عديدة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق قوله.
وعلى المستوى السياسي، قال علاّلة، إنّ المسار الذي ذهبت فيه تونس بعد 25 جويلية 2021 لم يحل الإشكاليات العالقة، رغم صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية وإرساء مجالس برلمانية لكن البلاد لم تخرج من أزمتها رغم كل هذه الخطوات ولازالت في نفس المرّبع.
وذهب المتحدث بالقول، إلى أنّ المناخ العام في تونس متوتر، والأحزاب السياسية مرّ عليها 25 جويلية مثل التسونامي اندثر بعضها فيما أصبح البعض الأخر يعيش حالة حصار واستثناء، والمجتمع السياسي في وضع سيء للغاية مقارنة بالوضع عقب 2011، على حد قوله.
واعتبر المحلل، أنّ الوضع دقيق في تونس على جميع المستويات، لافتا إلى أنّ “هامش الحريات في انحسار بشهادة جميع المنظمات، فضلا عن الوضع الذي يعيشه القضاء والذي يحمل رسائل مخيفة للمواطن”.
لابدّ من إيقاف النزيف
شدّد المحلل السياسي، على ضرورة وقف عاجل للنزيف الذي تعيشه البلاد على جميع المستويات وتدارك الهنات، حتى يصبح الحديث عن تداول السلطة وتنفيذ الانتخابات الرئاسية مشروع، وفق تصريحه.
ودعا المتحدّث، إلى ضرورة تقديم الحلول بطريقة تشاركية بين التونسيين والقوى الحية والدولة والمنظمات والمكونات السياسية، على اعتبار أنّ الجميع شركاء في الوطن، ولا أحد يملك الحل السحري بمفرده.
وأكّد أنّ الخروج من الأزمة يستوجب الانفتاح والتفكير في حلول جدية وذات مردودية، لذلك لابد من الانفتاح ولا مناص من التشاركية وتحميل المسؤوليات.
ولإنجاح الاستحقاق الانتخابي، شدّد المحلل على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية والحوار بين جميع مكونات المشهد، مطالبا الحكومة بأهمية التواصل مع كافة الأطراف.
كما شدّد على ضرورة الابتعاد عن التخوين والشيطنة لكافة القطاعات على غرار القضاء والإدارة وغيرها، معتبرا أنّ ذلك ليس من مصلحة البلاد.
وبناء على ما سبق ذكره يبدو أنّ تفاقم الأوضاع في تونس كان رهين عدم الاستقرار الحكومي والوزراي في مناصب الدولة أو الخطط الوظيفية وهو ما يرسي بدوره عدم الاستمرارية، ما يحول دون التغيير أو تنفيذ الاصلاحات.