قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي إن نظام الثنائية البرلمانية له العديد من المزايا على مستوى توسيع التمثيلية السياسية وتشريك الجهات المنسية في عملية اتخاذ القرار الوطني في مستوى رسم الخيارات التنموية من خلال تمثيلها في هيكل برلماني ، مشيرة في المقابل إلى “أن هذه الثنائية ليست متوازنة لا من حيث المشروعية ولا من الصلاحيات”.
وقالت الأستاذة المحاضرة في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ، خلال ندوة انتظمت اليوم السبت 4ماي 2024 ، بالعاصمة لتقديم دراسة أعدتها ، تحت عنوان “الثنائية البرلمانية في إطار دستور 25 جويلية 2022″، إن ” المجلس الوطني للجهات والأقاليم هو تجربة فريدة لأنه يندرج في إطار ثنائية برلمانية لا تستجيب لأي من التصنيفات الكلاسيكية الأربعة الموجودة لأنه لا يمثل الثنائية البرلمانية الارستقراطية ولا السياسية، كما أنها ليست ثنائية كما هو معمول به في الدول الاتحادية وليست ثنائية اقتصادية واجتماعية.
احداث مجلس الجهات من اجل اضعاف البرلمان
واعتبرت كريم أن السبب الرئيسي في خيار الغرفة الثانية هو “إحداث قطيعة جذرية مع ما سبق بإرساء فلسفة جديدة”، كما “يمكن أن يفهم هذا الخيار بكونه طريقة للتقليص من قوة وسلطة مجلس نواب الشعب الذي كان يحتل حجر الزاوية في النظام السياسي المبني على دستور 2014، مبينة أن الاقتطاع من صلاحيات المجلس الأول وتعهيد الغرفة الثانية ليشاركه في تأديتها “دلالة على نية إضعاف الغرفة الأولى وجعلها مرتهنة لموافقة المجلس الوطني للجهات والأقاليم وفق تعبيرها.
وأشارت أستاذة القانون إلى أن “دستور 2022 منح الغرفة الأولى صلاحيات ذاتية واسعة في حين اقتصر في إسناد المهام للغرفة الثانية على قانون المالية والميزانية الذي لا يعرض سوى مرة واحدة في السنة على البرلمان ومخطط التنمية الذي يعرض مرة واحدة خلال خمس سنوات، ثم وبصفة ثانوية واستثنائية توجيه لائحة لوم بالشراكة مع مجلس نواب الشعب”.
واعتبرت أن هذه الغرفة الثانية وجدت بالأساس لخدمة المصالح المحلية والجهوية كما ان صلاحياتها محدودة جدا،”بل كل ما تمارسه هو بالاشتراك مع الغرفة الأولى الأساسية كما ان المهمة الرقابية الممنوحة لها تمت إحاطتها بإجراءات تجعل منها مهمة شبه مستحيلة”، حسب قولها.
كما لفتت إلى أن “الوظائف الممنوحة لكلا الغرفتين، وإن كانت غير متوازنة ومتكافئة ،فأنها تؤكد خصوصية التهيئة الدستورية التونسية في إقرار وظيفة تشريعية عامة لمجلس نواب الشعب ووظيفة تشريعية خصوصية بالنسبة للمجلس الوطني للجهات والأقاليم”.
وقالت “الأكيد أن نظام الاقتراع يعطي مشروعية أقل للغرفة الثانية من المشروعية التي يتمتع به مجلس نواب الشعب بما أنه يتم انتخابه مباشرة من طرف الشعب، في حين أنه بالنسبة للغرفة الثانية نجد تصويت المواطن في المرحلة القاعدية فقط عند انتخاب أعضاء المجلس المحلي ، وهو ما يحيل على التساؤل حول مدى مشروعية الغرفة البرلمانية الثانية والتي تبقى نسبية جدا رغم مزاياها”.
القانون الأساسي ضروري
وأكدت المتحدثة على ضرورة وجود قانون أساسي يضبط العلاقة بين المجلسين ويبين كيفية فض النزاعات بينهما في حال نشوبها خاصة مع وجود صلاحيات مشتركة بينهما، لافتتة إلى أنه كان من المفروض أن يكون تركيز الغرفة الثانية بالتوازي مع وجود نص ينظم علاقته بالغرفة الأولى قبل أن تنكب الغرفة الثانية على إعداد نظامها الداخلي.
من جهتها اعتبرت الباحثة في القانون الدستوري وفاء زعفران الأندلسي أنه لا يمكن اعتبار الغرفة الثانية غرفة تشريعية بالنظر إلى نوعية صلاحياتها وتمثيليتها، وأنه لا تجوز المقارنة بين الوضع الحالي و التجربة التونسية السابقة في علاقة بالثنائية البرلمانية خاصة وأن تجربة مجلس المستشارين (2011/2005) كانت محل نقاش حول جدواها والإضافة التي حققها هذا المجلس لاسيما وانه وجد في سياق سياسي مختلف.
النصوص التشريعية المنظمة لعمل الغرفتين
وينص الباب الثالث من دستور 2022 على أن الوظيفة التشريعية تمارس من قبل مجلسين الاول هو مجلس نواب الشعب والثاني هو المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وأفرزت الانتخابات التشريعية التي دارت في 17 ديسمبر 2022 انتخاب 154 نائبا في مجلس نواب الشعب وبقيت 7 دوائر شاغرة (دوائر بالخارج)، في حين انطلق مسار تركيز المجلس الثاني في 24 ديسمبر 2023 من خلال انتخاب أعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات المباشرة في دوائر انتخابية ضيقة، تم انطلاقا منها تكوين المجالس الجهوية ثم مجالس الأقاليم قبل انتخاب 77 عضوا في المجلس الوطني للجهات والأقاليم عن طريق انتخابات غير مباشرة.
وفي 19 أفريل المنقضي عقد المجلس الوطني للجهات والاقاليم جلسته الافتتاحية دون صدور القانون المنظم للعلاقة بين الغرفتين والذي أكدت العديد من الأطراف ضرورة إصداره وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية.
يذكر أن الدراسة التي أعدتها الأستاذة منى كريم وتم عرضها اليوم تم إعدادها في إطار مشروع “الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية في تونس وتعزيز قدرات المجتمع المدني في المجال الانتخابي” التابع للمنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية بالتعاون مع شبكة مراقبون.
وقد حضر هذه الندوة عدد من أساتذة القانون والخبراء في الشأن الانتخابي ومن أعضاء مجلس النواب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.