تمثل مسألة الديون نقطة مهمة ، في علاقة بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس منذ سنوات ، ورغم أن البلاد تمكنت خلال 2023 من سداد “جميع ديونها”، بحسب ما أعلنه رئيس الحكومة أحمد الحشاني ، الا أن عدد من المختصين في الشأن الاقتصادي أكدوا ان سداد الديون كان من خلال الاقتراض من الداخل والخارج.
ورغم ما تمثله خطوة سداد الديون العام الماضي كعلامة إيجابية على قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، إلا أن ثمة مجموعة من الانعكاسات السلبية، بما في ذلك القدرة على تمويل الواردات وفي ظل الاعتماد المتزايد على السوق الداخلية لتوفير التمويلات.
ويذكر أن قيمة المستحقات الداخلية والخارجية التي سددتها تونس في 2023 ، بلغت 3.79 مليارات دولار.
المديونية قد تؤدي إلى انسداد الأفاق
وقال أستاذ الاقتصاد معز السوسي ، في تصريح لموقع “تونيبزنيس” ، اليوم الخميس 16 ماي 2024 ، إن نسبة الدين العمومي خلال السنوات الأخيرة ارتفعت بـ80 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، مبينا أن هذه المديونية لا يتم توجيهها للاستثمار والتنمية بل موجه لسداد الديون .
وأضاف إن المديونية بلغت 130 ألف مليون دينار ، مبينا أن نصيب الفرد منها يبلغ حوالي 10 الاف و800 دينار ، معتبرا هذا الرقم مرتفع .
وقال ان الدولة غير قادرة على اسناد القطاعات الهامة التي يجب الاستثمار فيها ، على غرار قطاع الطاقة الذي يعاني من عجز بلغ 75 بالمائة والفسفاط ، مبينا أن المديونية تكبل الاستثمار في هذه القطاعات .
وأكد السوسي أن المديونية تستحوذ على نسبة كبيرة جدا من ميزانية الدولة ، مفيدا بأن الديون تأثر كذلك على الطاقة الشرائية للأفراد من خلال التأثير على الدينار وإمكانية توريد التضخم وهو ما يخلق مشاكل على مستوى تلبية الحاجيات من البضائع المستوردة والبضائع المحلية .
معالجة الديون ضرورة
شدد محدثنا على ضرورة معالجة الديون ، مبينا أن الديون ضرورية ولا هروب منها لسداد الديون الخارجية والتوريد لأن العجز التجاري في تونس حتى وان تحسن خلال الأشهر الأخيرة ، فهو غير كافي لتحقيق المعادلة .
وأفاد بأن التداين الداخلي كذلك ضروري لخلاص الأجور وايفاء الدولة بتعهداتها ، مستدركا بالقول ان السؤال المهم هو الى متى سيستمر هذا الوضع؟ مع تراجع استثمارات العمومية وتعطل الاستثمارات الخاصة وعدم قيام الدولة بدورها لتحسين مناخ الأعمال ، مع غياب الإصلاحات العميقة والضرورية لحلحلة هذه المشاكل ومعالجتها.
هذا وأكد ان استمرار هذا الوضع سيؤدي انسداد الافاق وتعطيل الاقتصاد ، وفق تعبيره .
تونس مهددة بالتخلف عن سداد ديونها في 2024
وتبلغ الديون الداخلية فقط المستحقة في العام 2024 نحو أربعة مليارات دولار ، هو ما يعني أن السنة الحالية هي الأكثر صعوبة على الاقتصاد التونسي من حيث كلفة الديون.
وقد سلط تقرير حديث صادر عن مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية ، الضوء على واحدة من المعضلات التي تواجه الاقتصاد التونسي وهي أزمة الديون ، مؤكدا أن تونس تواجه على نحو متزايد خطر حدوث أزمة فوضوية في ميزان المدفوعات والتخلف عن سداد ديون سيادية.
وأضاف أن البلاد تمكنت من سداد سندات دولية في فيفري الماضي لكن عبر السحب من احتياطياتها المنخفضة بالفعل من النقد الأجنبي ، مشيرا إلى أنه في غضون ذلك، اتخذت تونس خطوات تسمح للبنك المركزي بتمويل عجز الميزانية مما يدفع البلاد قدما صوب تخلف فوضوي عن سداد الديون السيادية.
سداد 11 قرض خلال 2024
تخطط تونس لتسديد أصل ديون خارجية وداخلية لقرابة 11 قرضا وآلية تمويل مما يتطلب توفير مليار يورو وزهاء 909 مليون دولار الى جانب الدفع بالعملة المحلية ، في بلد من المتوقع ان يسجل ارتفاعا لخدمة الدين بنحو 7ر18 بالمائة خلال 2024 .
وكشفت الحكومة ، في تقريرها حول مشروع قانون المالية لسنة 2024، ان خدمة الدين متوسط وطويل المدى لسنة 2024، سترتفع من 8ر20 مليار دينار خلال 2023 الى مستوى 7ر24 مليار دينار العام المقبل ، وتأتي هذه الارقام في ظل تأثير لأسعار الصرف.
وستشرع تونس خلال 2024 في تسديد اصل ديون عدة جهات مانحة وتتضمن القائمة تسديد 850 مليون يورو خلال فيفري 2024 ، للقرض الرقاعي بالأورو لسنة 2017 في حين ستقوم خلال اكتوبر 2024 بتسديد قرض رقاعي بضمان ياباني بقيمة 50 مليار يان.
وتتضمن قائمة التسديدات، دفع اقساط قرض صندوق النقد الدولي بعنوان اداة التمويل السريع لسنة 2020، بقيمة 360 مليون دولار موزعة بين جانفي وافريل وجويلية واكتوبر 2024 بمبلغ 90 مليون دولار لكل شهر.
وستقوم تونس بتسديد قرض صندوق النقد الدولي بعنوان تسهيل الصندوق الممدد 2016-2019 ، بنحو 256 مليون دولار موزعة على 10 اقساط شهرية الى جانب دفع 105 مليون دولار للبنك الافريقي للتصدير والاستيراد لسنة 2022 موزعة على 3 اقساط .
وستخصص تونس مبلغ 100 مليون دولار لتسديد قرض للعربية السعودية خلال جانفي وجويلية 2024 و 70 مليون دولار لصندوق النقد العربي موزعة بين جانفي وفيفري وجوان وجويلية واوت 2024 .
وستحتاج الحكومة كذلك الى تمويلات من بينها 8ر5 مليار دينار لرقاع الخزينة 52 اسبوع و قرابة مليار دينار لرقاع الخزينة القابلة للتنظير و 752 مليون دينار للقرض الداخلي بالعملة منها قسط من قرض 2021 وقسط من قرض 2023
وستدفع الحكومة، كذلك، التسبقة الاستثنائية للبنك المركزي التونسي وبعنوان 2020، والبالغ قيمتها 500 مليون دينار خلال شهر ديسمبر 2024.
تضاعف حصة الفرد من الدين العمومي بـ330%
أفاد المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، بأن تخصيص الدين لتمويل عوامل النمو وخلق الثروات، قادر على ضمان استدامة الدين العمومي.
وأوصى التقرير بتعزيز ديناميكية الاستثمار، لاسيما من خلال تحسين مناخ الأعمال لإنعاش الاستثمار الخاص ومواصلة حماية الشركات والأسر في هذا المجال.
ويشار إلى أنّ قائم الدين العمومي قد بلغ في سنة 2023 ، 127.2 مليار دينار أي ما يعادل 80.2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، مقابل 640ر25 مليار دينار و39 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لسنة 2010 ، وفق معهد القدرة التنافسية واستنادا على معطيات نشرتها وزارة المالية.
وارتفعت حصة الفرد من الدين من 43ر2 ألف دينار سنة 2010 إلى 3ر10 ألف دينار سنة 2023، أي بمعدل نمو إجمالي يبلغ نحو 330 بالمائة.
ولا يزال الدين العمومي يهيمن عليه الدين الخارجي الذي يشكل في المتوسط 64 بالمائة من قائم الدين بين سنوات 2011 و2023، مقابل 61 بالمائة سنة 2010.