لمواجهة العجز الطاقي وتغطية الحاجيات الوطنية من الطاقة في ظل محدودية الموارد وتفاقم الاستهلاك، تبنت تونس استراتيجية جديدة للانتقال الطاقي أفق سنة 2035، كشفت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم سنة 2023 عن أبرز ملامحها بعد عرضها على أنظار رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن.
تحقيق الأمن الطاقي لتونس
ترمي الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الأمن الطاقي للبلاد والحياد الكربوني والنهوض بالاقتصاد الأخضر بحلول 2035، بعد أن أعلنت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم السابقة نائلة القنجي سنة 2023 في لقاء صحفي، عن أبرز أهدافها وملامحها والتي ستتمثل بالأساس في تشجيع الاستثمارات بقطاع الطاقة عبر تطوير الموارد الأحفورية وتسريع الاستكشافات الجديدة للنفط والغاز، بهدف بلوغ 30 بئرا بما يسمح بكسب نقطتي نمو وتوفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل بحلول العام المذكور.
الخطة المقدرة قيمتها بـ55 مليار دينار، ستمكن من تنويع مصادر التزوّد بالمواد الطاقية، عبر إعادة تأهيل الشركة التونسية لصناعات التكرير وإنشاء مخازن إضافية للمنتجات البترولية مطابقة لمواصفات سلامة التخزين، وتطوير شبكة الغاز الطبيعي لتزويد مليون و200 ألف عائلة إضافية بهذه الخدمة بحلول عام 2035، إلى جانب تنفيذ استكشافات جديدة، وفق تصريح الوزيرة.
وترتكز الاستراتيجية على أربعة محاور كبرى منها تعزيز سياسة النجاعة الطاقية وتغير سلوك الفاعلين الاقتصاديين وتكثيف استخدام الطاقات المتجددة لتنويع المزيج الطاقي والحد من التبعية لإنتاج الكهرباء واستعمال الغاز الطبيعي، كما ترمي أيضا إلى تطوير التكنولوجيات الخضراء المتجددة خاصة منها إمكانية إنتاج الهيدروجين الأخضر باعتباره مصدرا لتنويع المزيج الطاقي، وفق تصريحات سابقة لرئيسة ديوان وزيرة الصناعة والطاقة السابقة أحلام الباجي.
وتشمل الاستثمارات المزمع إنجازها ضمن هذه الاستراتيجية الطاقات المتجددة وإنجاز مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا قبل سنة 2027، وإحداث محطة واد المالح، إضافة إلى إنتاج 50% من الكهرباء عن طريق الطاقات المتجددة أو ما يعادل 8350 ميغاوات.
كما تستهدف أيضا تحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2050 في إطار التوجه العالمي للتخفيض من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك عبر تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية التي ستساهم بدورها في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى 46% في قطاع الطاقة.
مدى تقدم أهداف الاستراتيجية
وعن مدى التقدم في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي، أفاد كاتب الدولة المكلف بالانتقال الطاقي وائل شوشان، بأنّ تونس قادرة على الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 35% في توليد الكهرباء في غضون 2030، أي ما يعادل حوالي 4850 ميغاوات من القدرة المُركزة من طاقة الشمس والرياح، في تصريح له لإذاعة إكسبريس الثلاثاء 28 ماي 2024.
وتقدّر نسبة اعتماد تونس في إنتاج الكهرباء على الطاقات المتجددة بـ2.7 بالمائة فقط، وفق رئيس المجمع المهني للطاقات المتجددة بكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية “كوناكت” معز عزيزة، والتي اعتبرها نسبة ضعيفة جدا مقارنة بالأهداف والاستراتيجية التي حددتها الدولة، والتي ترمي إلى تحقيق نسبة 35 بالمائة في غضون 2030.
وللإشارة لا يزال توليد الكهرباء في تونس يعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي، والذي تقدر مساهمته بحوالي %95، وفق المرصد الوطني للطاقة والمناجم التابع لوزارة الصناعة والطاقة.
وكشف كاتب الدولة، أنّ أول دفعة من المشاريع تقدر ب500 ميغاوات، تم إطلاق طلبات العروض فيها سنتي 2018 و2019، لكن تعطلت بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، غير أنّه تم تجاوز الإشكاليات وبتاريخ 8 ماي تمّ وضع حجر الأساس لمشروع القيروان بقدرة 100 ميغاوات، لافتا إلى أنّ عددا من المشاريع الأخرى في ولايتي سيدي بوزيد وتوزر سيتم انطلاق انجازهما خلال هذه الصائفة، إلى جانب مشروعي تطاوين بقدرة 200 ميغاوات وقفصة بقدرة 100 ميغاوات.
وأعلن كذلك، عن الانطلاق العمل في دفعة ثانية من المشاريع حيث تم إطلاق طلب عروض دولي بقدرة 1700 ميغاوات في غضون 3 سنوات القادمة وستكون قبول عروض الدفعة الأولى بعد غد الخميس 30 ماي 2024، بقيمة 500 ميغاوات و 1200 ميغاوات المتبقية سيتم إطلاق العروض فيها خلال 3 سنوات القادمة، بحسب تصريحه.
ولفت المتحدّث، إلى أنّه يتم العمل كذلك على عديد المشاريع لتقوية شبكة كهرباء لاستيعاب هذه الطاقات المتجددة، منها مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا بقدرة 600 ميغاوات، إضافة إلى العمل على تطوير وتجديد منظومة التحكم في الشبكة الكهربائية عبر برنامج ” Smart Grid”.
إنتاج الهيدروجين الأخضر تنتجه تونس وتستفيد منه أوروبا
وّقعت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، أمس الاثنين 27 ماي 2024، والمجمع الفرنسي “طوطال اينرجي” والمجمع النمساوي “فربوند” مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر انطلاقا من تونس وتصديره إلى أوروبا عبر الأنابيب في أفق سنة 2050، والذي تتطلع عبره تونس إلى التحول لمركز رئيسي للانتقال الطاقي في المنطقة، من خلال إنشاء سلسلة قيمة قوية ومستدامة للهيدروجين الأخضر.
ويسعى المشروع الذي لن تستفيد منه السوق المحلية إلاّ بالنصيب الأقل إلى إنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر في أفق 2030، للتصدير إلى أوروبا بقيمة استثمارات حوالي 8 مليار أورو، وفق كاتب الدولة المكلف بالانتقال الطاقي وائل شوشان، وكذلك إلى إنتاج 8.3 مليون طن في أفق سنة 2050، منها 6 ملايين طن موجهة للتصدير و2.3 مليون طن للسوق المحلية.
وفي مرحلة أولية للمشروع، سيتم تركيز حوالي 5 ألاف ميغاواط من الطاقات المتجددة و2000 ميغاواط من تقنية التحليل الكهربائي (الالكتروليز)، فيما تهدف المرحلة النهائية للمشروع إلى إنتاج 1 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، وتركيز حوالي 25 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة وحوالي 10 الاف ميغاواط من التحليل الكهربائي، وفق شوشان.
ويطرح توجيه إنتاج الهيدروجين الأخضر للتصدير بصفة شبه كلية وتخصيص نسبة محدودة للسوق المحلية عديد التساؤلات عن الجدوى من هذا المشروع الذي لن يمكن البلاد التي تعيش عجزا طاقيا آخذا في التفاقم سنة تلو الأخرى، من الاستفادة منه بشكل أساسي لاسيّما وأنّها تعتمد بنسبة 97 بالمائة على الغاز الطبيعي المستورد من الجزائر في إنتاج الكهرباء.
ويعّد إنتاج الهيدروجين الأخضر من الخيارات الأقل تلويثا كما يطرح نفسه كبديل للوقود الأحفوري المسؤول عن الكثير من الانبعاثات للغازات الدفيئة، والتي يتسابق العالم نحوها باعتبارها مصدر الطاقة المستقبلية ذات الخصائص المستدامة والنظيفة. ويتم إنتاجه عبر التحليل الكهربائي للماء، وهي عملية مكثفة في الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ورغم مراهنة تونس على هذا المشروع لتجسيد الانتقال الطاقي، غير أنّ ذلك لا يمنع من دراسة المخاطر البيئية والاجتماعية والاقتصادية المحتملة والتحديات التي ستواجهها لتنفيذ هذا الخيار، والتي تتعلق أساسا بكلفة الإنتاج المرتفعة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، فضلا عن البنية التحتية لتخزين وتوزيع الهيدروجين، بالإضافة إلى ما يتطلبه إنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر طاقة كهربائية متجددة والتي يبدو أنها غير متوفرة بالقدر الكافي في تونس.
وعلى الرغم من الترويج لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر كبديل وخيار استراتيجي لتونس لتحقيق أمنها الطاقي، غير أنّ خيار تصديره بشكل شبه كلي لتأمين احتياجات أوروبا مقابل تجاهل الحاجة المحلية لهذه المصادر، ينطوي على نزعة استخراجية أو ما يعرف بالاستعمار الاستخراجي الذي ما انفكت أوروبا تمارسه على دول إفريقيا على وجه الخصوص، والذي ينطوي على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية لهذه الدول وفرض الهيمنة والتبعية الاقتصادية عليها تحت شعار التعاون.