أنشأت تونس رسميًا منطقة البحث والإنقاذ البحرية الخاصة بها ،(SAR) وقد أبلغت المنظمة البحرية الدولية (IMO) التابعة للأمم المتحدة بذلك اليوم الخميس 20 جوان 2024، موضحة حدود منطقة البحث والإنقاذ.
تحصلت إحداثيات منطقة البحث والإنقاذ البحرية (SAR)التونسية، على موافقة المنظمة البحرية الدولية، وفقًا لما يقتضيه القانون البحري الدولي، بحسب ما أعلنته وكالة نوفا الإيطالية اليوم.
ويأتي إضفاء الطابع الرسمي على هذه المنطقة، في إطار خطوة طلبتها إيطاليا من تونس، لمكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا، وبحسب ما نص عليه الأمر الرئاسي الصادر بالرائد الرسمي الأخير ليوم 5 أفريل 2024 والذي يتعلق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين.
واعتبرت نوفا، أنّ تونس من خلال التزامها بتقديم المساعدة للسفن المعرضة للخطر في المنطقة الواقعة تحت مسؤوليتها، ستواصل التعاون القائم بالفعل مع إيطاليا، في إطار دولي رسمي، مع المطالبة بقرار سيادي ودفاعا عن مصالحها الخاصة.
ونشرت الهيئة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة الخريطة التي توضح الحدود وجهات الاتصال الخاصة بالمركز الوطني الجديد لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحري (TNMRCC) بتونس، وفق الوكالة.
وفي هذا الإطار، قال الأميرال المتقاعد لوكالة نوفا فابيو كافيو، خبير في القانون البحري، “حتى الآن يتدخل التونسيون بحكم الأمر الواقع لأنهم يراقبون مياههم الإقليمية. والآن أصبحت مسؤولية محددة وفق الاتفاقيات الدولية. وهذا ما تطلبه إيطاليا من تونس منذ سنوات”.
ووفق المصدر نفسه، سيكون مركز التنسيق التونسي الجديد قادرا على الاستفادة من الوحدات البحرية والجوية التابعة لوزارة الدفاع والداخلية، وكذلك الطائرات والسفن التابعة لتونس، فضلا عن مختلف الخدمات والهيئات التي يمكنها المساهمة في أنشطة البحث والإنقاذ.
ماذا يعني إنشاء منطقة بحث وإنقاذ في المياه التونسية ؟
تم إحداث منطقة البحث والإنقاذ بموجب اتفاقية دولية سنة 1979 وصادقت عليها الدولة التونسية سنة 1998 وتتعلّق، أساسا، بتنسيق البحث والإنقاذ بالبحر وانخرطت فيها عديد الدول.
وتفرض هذه الاتفاقية الدول الموقعة عليها بعديد الالتزامات من بينها إنشاء منظومات لوجستية خاصة بالبحث والإنقاذ في المناطق الجغرافية بالبحر (المياه الإقليمية والمياه الدولية والمنطقة الاقتصادية الخالصة).
ولتعلن تونس عن منطقة البحث والإنقاذ فهي مطالبة بالتنسيق مع الدول المحيطة بها (ليبيا، مالطا، ايطاليا) وبتحمّل مسؤولية البحث والإنقاذ.
ماذا يتضمن الأمر الرئاسي؟
يوّضح الأمر الرئاسي المذكور أنّ المقصود بمفهوم “البحث” هو أنّها عملية تهدف إلى الاستدلال على الأشخاص المكروبين بالبحر، يتولى تنسيقها المركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحريين أو المراكز الفرعية.
أما مفهوم “الإنقاذ” فهو عملية انتشال أشخاص مكروبين بالبحر وتلبية احتياجاتهم الأولية الطبية أو غير الطبية ونقلهم إلى مكان آمن.
وبحسب الأمر، تقوم خدمة البحث والإنقاذ على أداء وظائف الرصد والاتصال والتنسيق والبحث والإنقاذ في حالة الاستغاثة، بما في ذلك تقديم المشورة الطبية أو المساعدة الطبية الأولية أو الإجلاء الصحي، باستخدام الوسائل العامة والخاصة المتاحة.
ووفق فصله الثالث، “يكلّف آمر المصلحة الوطنية لخفر السواحل بمهام السلطة الوطنية المسؤولة عن خدمات البحث والإنقاذ البحريين ويتولى للغرض، خاصة السهر على حسن سير خدمات البحث والإنقاذ البحريين والقيام بمهام نقطة الاتصال وطنيا ودوليا في مجال البحث والإنقاذ البحريين واقتراح إبرام اتفاقيات بخصوص التعاون والتنسيق في هذا المجال مع الدول الأخرى”.
كيف علّقت تونس؟
اعتبر وزير الدفاع عماد مميش، أنّ “الهدف من إنشاء نظام وطني للبحث والإنقاذ البحري هو تحسين فعالية تدخل الدولة في هذا المجال، من أجل توفير خدمات البحث والإنقاذ البحري لجميع مستخدمي البحر التونسيين وغير التونسيين في منطقة المسؤولية التونسية، وخاصة لسفن الصيد التونسية، وسفن الركاب والسفن التجارية ومراكب النزهة”.
وأكّد مميش، في تصريح من مقر قاعدة حلق الوادي البحرية، خلال إطلاق النسخة الأولى من مناورة البحث والإنقاذ البحري “البحر الآمن 24” بخليج تونس، يوم 29 ماي 2024، أنّ “تونس تفي بالتزاماتها الدولية، مع التأكيد على سيادتها الوطنية”، بحسب ما نقلته “نوفا” الإيطالية.
أيّ تبعات لهذا الإجراء؟
أكّد الناشط السياسي والحقوقي مجدي الكرباعي المقيم بإيطاليا، في تصريح لموقع تونيبيزنس اليوم الخميس، أنّ هذا الإجراء ستكون له تبعات كبيرة على تونس.
وتتعلّق هذه التبعات وفق الكرباعي، بوضعية المهاجرين بتونس التي ما انفكت تتفاقم يوما تلو الأخر، وما خلّفه ذلك من أزمات واحتقان بين المهاجرين، وتذمر من المواطنين ومشاحنات وتوتر بين الطرفين، وفق قوله.
وبيّن المتحدّث، أنّ منع المهاجرين من العبور إلى أوروبا، وتكديسهم في تونس، ما سيؤدي بدوره إلى مشاكل إضافية ستتحملها البلاد.
واعتبر الكرباعي، أنّ هناك مفارقة كبرى وتناقض في سياسة الدولة المنتهجة، التي تسعى من جهة لغلق الحدود أمام المهاجرين، ومن جهة ثانية تتذمر من وجودهم في تونس، وتعتبر أنّ ذلك يأتي في إطار نظرية المؤامرة ضد تونس والسعي لتوطين المهاجرين وتغيير التركيبة الديغرافية، على حد تعبيره.
وأكّد الناشط الحقوقي، أنّ التضارب في الخطاب الرسمي والتوجه على أرض الواقع، دليل على وجود خطاب مزدوج، معلّقا بالقول، ” من ناحية تقول إنّك لن تكون حرس حدود لأوروبا، ومن جهة توسع منطقة التدخل البحري”.
وأشار إلى أنّ الأحزاب اليمينية وحزب جورجيا ميلوني خاصةيقوم بالدعاية الانتخابية بالأرقام، والإشادة بانخفاض نسبة المهاجرين القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط.
واعتبر محدثنا، أنّ سياسات الدولة أصبحت تساهم في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، المعادي للمهاجرين العرب خاصة في دول أوروبا، بحسب تصريحه.
وسلّط الكرباعي الضوء عن الإشكاليات الأخرى التي ستخلفها توسيع منطقة البحث والإنقاذ البحرية التونسية، والتي تتعلّق أساسا بعمليات الإنقاذ.
ولفت المتحدّث، إلى أنّ مراكب المهاجرين في السابق عندما كانت تصل لمنطقة الإنقاذ الايطالية يتم إنقاذهم وإدخالهم إلى إيطاليا، وبعد إنشاء تونس رسميا لهذه المنطقة سيكون من المحمول على البحرية التونسية إنقاذهم وإعادتهم إلى تونس، وفق توضيحه.
وعن التعليق الرسمي لتونس، قال الناشط الحقوقي، “من الواضح أنّ الخطاب الرسمي سيواصل الحديث عن نظرية المؤامرة وتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، وهو خطاب عنصري يتبناه اليمين المتطرف في أوروبا ورئيس الجمهورية في تونس”.
وفي هذا السياق، اعتبر الكرباعي، أنّ هناك انسجام في سياسة الهجرة المعتمدة في أوروبا وفي تونس، والتي سيدفع ثمنها المهاجرين، خاصة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، على حد تصريحه.
ومن جانبه، اعتبر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، خلال حضوره ببرنامج هنا تونس بإذاعة الديوان سنة 2023، أنّ “تونس ستتحمّل بموجب إحداث هذه المنطقة، مسؤولية المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط سواء انطلقوا من تونس أو من دول أخرى”.
وأبرز بن عمر، أنّ “الخطورة تكمن في اعتراض مراكب الهجرة غير النظامية بعمق المياه الدولية التي تنتشر بها القوات الأمنية الأجنبية”.
وتحدّث الناطق باسم المنتدى، عن الضغوط المسلطة على تونس منذ سنوات من أجل الإعلان عن هذه المنطقة، والتي نبّه المجتمع المدني من خطورتها، وفق قوله.
واعتبر المتحدّث، أنّ “الاتحاد الأوروبي يريد العمل بالمناولة وتحميل العبء الإنساني والسياسي والأخلاقي إلى البحرية التونسية”.
وتحوّلت تونس مؤخرًا إلى دولة مضيفة للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، في ظل ارتفاع عدد المهاجرين القادمين إليها، خاصة بعد إلغاء متطلبات التأشيرة لبعض الدول الأفريقية.
وبلغ عدد المهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر وفقا للحرس الوطني، 21 ألفا و545 مهاجرا في الفترة ما بين جانفي و30 أفريل الماضيين، مقارنة بـ17 ألفا و576 خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ويذكر أنّ تونس وّقعت في16 جويلية 2023، “مذكرة تفاهم” بين تونس والاتحاد الأوروبي حول “شراكة استراتيجية وشاملة”، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية.
وقام بتوقيعها رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.