حذّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مكتب القيروان، في بيان له اليوم الأربعاء 3 جويلية 2024، من تواصل نزيف حوادث نقل العاملات في القطاع الفلاحي، ومن تشغيل القاصرات في العمل الفلاحي بعد تفاقم هذه الظاهرة.
وتعرّضت مؤخرا شاحنة نقل فلاحي بمنطقة تابعة لمعتمدية السبيخة من ولاية القيروان، لحادث انقلاب أسفر عن وفاة طفلة (15 سنة)، وخلف إصابة 14 عاملة بجروح متفاوتة الخطورة إحداهن فقدت بصرها على إثر تعرضها لكسور على مستوى الجمجمة.
واعتبر المنتدى، أنّ الحادث كشف الستار عن جملة من الانتهاكات المسكوت عنها وبيّن بالكاشف غياب الدولة في ملف العمالة الفلاحية والقضايا المتعلقة بها التي تتقاطع فيما بينها، كما اثبت تقصير السلطات المعنية في مراقبة وسائل النقل الفلاحي، والتصدي لممارسات الوسطاء وفي حماية حقوق العملة والعاملات في القطاع الفلاحي.
وفي هذا السياق، ذّكر المنتدى وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن وكل الوزارات المعنية أن الضحية القاصر التي توفيت في فاجعة السبيخة ليست الأولى وليست الأخيرة اذ أصبح المشهد متكررا بشكل مفزع.
ولفت البيان، إلى حادث مرور آخر جدّ يوم الثلاثاء 02 جويلية تمثّل في انقلاب شاحنة كانت تقل عملة وعاملات في الفلاحة على مستوى الطريق الرابطة بين معتمدتي بوحجلة والقيروان الجنوبية، خلف 8 جرحى من ضمنهم 4 قاصرات.
وفي ذات الصدد، ذّكر بفاجعة السبالة التي اهتز لها المجتمع التونسي في27 أفريل 2019، والتي كان من بين ضحاياها منال، سمر وزمردة، وهنّ قاصرات توفين في الحادث وأعمارهن بين الأربعة عشر والخمسة عشر سنة.
وبيّن منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنّ هذه الحوادث كشفت “الانتهاكات الصارخة لحقوق العمالة الفلاحية ولحقوق الطفل، باعتبار أن الضحايا قصّر، رغم الإجماع التام على مسألة منع تشغيل القصر في كل التشريعات الدولية والوطنية لحقوق الإنسان”.
عمالة الأطفال في أرقام
يعمل نحو 215 ألف طفل تونسي في قطاعات مختلفة وذلك حسب آخر دراسة أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والمعهد الوطني للإحصاء، وفق ما ورد ببيان المنتدى.
ويشتغل 50% منهم في القطاع الفلاحي وتتفاقم النسبة في أيام العطل المدرسية، وفق ذات المصدر.
ويتعرض 3% من الأطفال البالغة أعمارهم بين 14 و15 سنة لكل أشكال الاستغلال الاقتصادي، وذلك حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء واليونيسيف.
وتتلقى وزارة المرأة بشكل دوري عددا هاما من الإشعارات المتعلقة بالاستغلال الاقتصادي للأطفال، الذي يعدّ جريمة اتجار بالأشخاص تمنعه كل القوانين والصكوك المتعلقة بحقوق الطفل وطنيا ودوليا. ولا تزال الظاهرة في تصاعد مستمر.
وفي هذا الإطار، حذّر كل الوزارات المعنية والأطراف المتدخلة في ملف العمالة الفلاحية من تواصل سياسة الترقيع والتجاهل، ومن تملص السلطات الجهوية من المسؤوليات الموكولة لها بموجب القانون المنظم لنقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي.
ارتفاع مستمر..أيّ حلول؟
يؤكد على ضرورة مراجعة التشريعات الجاري بها العمل على غرار قانون النقل الذي ثبت عمليّا عدم قابليته للتطبيق، وفي مقابل
أكّد البيان، تضاعف عدد الحوادث وتصاعد أعداد الوفيات والجرحى، حيث تمّ تسجيل منذ سنة 2015 ووفقا للمعطيات المتاحة للرصد في المنتدى حصول عدد 79 حادث مرور متعلق بشاحنات النقل الفلاحي، أسفر عن وفاة 62 ضحية وخلف عدد 915 جريحة.
وأشار إلى أنّ نسبة 4% من مجموع الحوادث جدّت منذ بداية سنة 2020 أي بعد صدور القانون عدد 51 لسنة 2019 توفيت على إثرها 22 عاملة، ما يؤكد عدم نجاعة القانون وعدم ملاءمته لخصوصية الفئة ولخصوصية القطاع.
وطالب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالتكفل بوضعيات العاملات اللاتي أصبن في الحادث، وتأمين العلاج الكامل والمجاني لهن ومتابعة حالاتهن الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وإدماجهن في إحدى آليات الحماية الاجتماعية والصحية وفي برامج الدولة الموجهة للنساء وللعائلات محدودة الدخل.
كما شدّد على ضرورة محاسبة كل من ثبت تورطه في الجريمة وتسليط عقاب رادع عليه.
ودعا أيضا إلى ضرورة تنقيح القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العملة الفلاحيين بما يتلاءم مع خصوصية القطاع الفلاحي والفئات العاملة فيه.
وحثّ على أهمية وضع خطة وطنية عاجلة تتلاءم مع خصوصيات كل جهة لتحسين البنية التحتية للطرقات وللمسالك الفلاحية في الجهات الداخلية، خاصة المثلث الغربي للبلاد (القيروان، سيدي بوزيد والقصرين)، الذي يشهد أكبر نسبة من حوادث الشاحنات المقلة للعاملات في القطاع الفلاحي
وطالب البيان، بتفعيل آليات الرقابة والتفقد في الأراضي الفلاحية لرصد ورفع المخالفات المتعلقة بظاهرة تشغيل الأطفال، وكذلك تشديد الرقابة على الطرقات والمسالك الفلاحية للحد من ظاهرة النقل العشوائي وغير اللائق ومحاسبة الناقلين والوسطاء.
وأكّد ضرورة بعث شركات خاصة بنقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي تكون تحت إشراف وتسيير الدولة، توفر وسائل نقل مؤهلة وقادرة على الولوج إلى المستغلات الفلاحية والسير في الطرقات والمسالك الوعرة لتأمين وصول العاملات والعملة إلى الأراضي.
ودعا أيضا إلى فتح حوار وطني من أجل وضع خطة إصلاح شاملة وجذرية للقطاع الفلاحي تأخذ بعين الاعتبار وضعية الفلاح واليد العاملة، في ظل السياق الاجتماعي والاقتصادي والمناخي الوطني والعالمي.