كثر الحديث في تونس خلال السنوات الماضية عن رقمنة منظومة الكهرباء والتوجه نحو اعتماد الطاقات المتجددة من اجل التخفيف من كلفة الطاقة التي تستأثر بنصيب كبير من كلفة الدعم وميزانية الدولة.
ويثار الحديث كل صائفة، خاصة، عن تسجيل ذروة في الاستهلاك وإمكانية قطع الكهرباء عن عدد من المناطق للتخفيف من الضغط .
كما تطرح اليوم مسألة الاستغناء عن الفواتير التقديرية واعتماد فواتير الاستهلاك فقط، بسبب التشكيات المتواصلة من المواطنين في علاقة باثقال كاهلهم بفواتير تقديرية تكون في أحيانا كثيرة مرتفعة جدا مقارنة بالاستهلاك.
وتمثل أسعار الطاقة وتوفرها من اهم تحديات التي تواجه العالم اليوم، في ظل ارتفاع الأسعار بسبب الصراعات والحروب والتوجه نحو تقليص الإنتاج والحديث عن الطاقات المتجددة.
فارق قد يتجاوز الـ300 دينار عن الاستهلاك
في ركن داخل احد أقاليم الشركة التونسية للكهرباء والغاز بتونس يقف “معاوية” في طابور طويل، ينتظر دوره وفي يده ورقة صغيرة وفاتورة الكهرباء.
قال “معاوية” في تصريح لتونيبيزنيس، ان الفاتورة الكهرباء وصلته منذ أسبوعين وكانت قيمتها 900 دينار، في حين ان معدل الفواتير التي كانت تصله في السابق لا تتجاوز الـ150 دينارا في اقصى الحالات.
وأكد أن هذه الفتورة تحمل صفة التقديرية واليوم قدم لإقليم “الستاغ” وقد سجل رقم العداد للتثبت من هذه الفاتورة، التي قال انه غير قادر على خلاصها.
وأضاف ” أنا مسؤول على اسرة تتكون من من طفلين وزوجتي، واعمل في القطاع الخاص واجري لا يتجاوز 800 دينار كيف لي ان ادفع هذا المبلغ وكيف قفزت الفاتورة من 150 دينار الى 900 دينار فجأة وأنا لم اغير شيء في استهلاكي لم اشتري أجهزة جدية ولا أي شيء”، وفق تعبيره.
وأكد انه تواصل مع “الستاغ” الأسبوع الماضي وطلبوا منه مدهم برقم العداد، مشيرا إلى أنه خسر يومي عمل بسبب هذه الفواتير لا يعلم كيف يتم احتسابها.
وأشار إلى أنه تعرض لنفس الموقف في السابق خلال سنة 2015 وكان الفارق بين الاستهلاك الحقيقي والفاتورة التقديرية 300 دينار، لكن اليوم يبدو ان الفارق سيكون اكبر بكثير، وفق تعبيره.
كيف يتم احتساب الفواتير التقديرية؟
قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، في تصريح لتونيبيزنيس، إنه يتم رفع العداد من قبل أعوان الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع الكهرباء كل 4 اشهر.
وبين أن الفاتورة تصدر كل شهرين وتكون بالتناوب، فاتورة استهلاك، وفاتورة تقديرية.
وأفاد الرياحي بأنه يتم احتساب الفاتورة التقديرية حسب الاستهلاك خلال السنة السابقة، قائلا “الفاتورة التقديرية تكون وفق معدل الاستهلاك واحيانا تكون اكثر بقليل او اقل من الاستهلاك الحقيقي”.
رفع العداد ضروري
دعا رئيس المنظمة لطفي الرياحي المواطنين الى ضرورة رفع العداد كل شهرين كي يتمكنوا من دفع معلوم الاستهلاك فقط دون زيادة أو نقصان.
في المقابل، قال “معاوية” ان عملية مد الشركة كل شهرين برقم العداد غير متاحة لكل المواطنين، مشيرا الى أنه يعمل في شركة خاصة ولا يمكنه التغييب عن عمله بصفة متواترة.
وبين أن أقاليم شركة الستاغ دائما مكتظة بالمواطنين وقد تستغرق أي عملية سواء خلاص او استفسار او تشكي اكثر من 3 او 4 ساعات.
من جهتها، قالت “فاطمة”، وهي مواطنة التقاها فريق تونيبيزنيس في احد أقاليم “الستاغ”، انها اعتادت مد الشركة برقم العداد للتجنب الفواتير التقديرية.
وبينت “أنها منذ ان احيلت على التقاعد في 2018 أصبحت تترد على فرع الشركة كل شهرين وتمدهم برقم العداد”، مشيرة الى انها كانت تصلها في السابق فواتير تقديرية ولم تتجاوز معدل استهلاكها العادي لكن حصل هذا الامر مع احد افراد عائلتها.
وتابعت “ابني وصلته فاتورة كهرباء بـ500 دينار في السابق واتصل بصديقه موظف في الستاغ فقال له انه يجب ان يمد الشركة باستهلاكه الموجود في العداد لاصلاح الخطأ وتم ذلك بالفعل”.
وقالت انه منذ ذلك الوقت أصبحت تمد إقليم الشركة برقم عدداها كل شهرين.
واستدركت ان هذه العملية غير متاحة للجميع لأن اغلب المواطنين لديهم التزامات في العمل ومشاغل أخرى مختلفة، وفق تعبيرها.
هل تحل العدادات الذكية الاشكال؟
أكد مدير التعاون والاتصال بالشركة التونسية للكهرباء والغاز منير الغابري، في تصريح اعلامي ادلى به يوم 24 مارس 2023، أن العداد الذكي يمكن قراءته عن بعد، دون اللجوء إلى الفاتورة التقديرية، وبالتالي يقلّص الجدل واللغط الذي يصاحب الفاتورة التقديرية منذ سنوات.
وأوضح أن التخلي التدريجي عن الفوترة التقديرية يعد مكسبا كبيرا وبإمكانه دعم الثقة بين الحريف والشركة، حيث سيقع إصدار فواتير الاستهلاك بصفة شهرية وحقيقية لكافة الحرفاء اعتمادا على الأرقام المضمنة بالعدادات.
وبيّن أن هناك امكانية لتقديم خدمات أخرى على غرار قراءة العداد والاطلاع على الاستهلاك.
وأضاف أن كل هذه العمليات تتم عن بعد ويمكن لذلك التقليص في الآجال، وربح الوقت، وتمكين الحرفاء من معلومات تفصيلية تساعد على ترشيد الاستهلاك.
واعلن ان العمل انطلق فعليا لتركيز العدادت والمنظومة المعلوماتية المتطورة، مبينا ان الفترة التجريبية تشمل تركيز 450 ألف عداد كهرباء غاز جهد منخفض و150 ألف عداد غاز جهد منخفض.
متى سيتم اعتماد العدادات الذكية؟
أفاد مدير التعاون والاتصال بالشركة التونسية للكهرباء والغاز منير الغابري بأنه سيتم العمل بعد انتهاء المرحلة التجريبية الانطلاق في تركيز 5 مليون من العدادات الذكية للكهرباء جهد منخفض، ومليون عداد غاز جهد منخفض في أفق 2029.
من جهتها، قالت المسؤولة عن الخدمات عن بعد والوكالة الافتراضية بالشركة التونسية للكهرباء والغاز هند النيفر إن مشروع “سمارت غريد” انطلق منذ 2019 من خلال التعاقد مع شركة فرنسية للتركيز العدادات الذكية.
وقدرت كلفة المشروع بـ400 مليون دينار وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية من خلال قرض قدمته للستاغ، وفق ذات المصدر.
وقالت ان المرحلة الأولى تشمل تركيز 450 الف عداد لدى كبار المستهلكين من حرفاء منزليين و صناعيين بقرقنة وصفاقس المدينة وسيدي بوزيد وباجة وسوسة والكرم.
وشددت على ان هذا المشروع سيمكن الستاغ من اصدار فواتير استهلاك 100 بالمائة في مرحلة متقدمة والتخلي عن الفواتير التقديرية.
ويذكر أن هذا المشروع تأخر تنفيذه منذ سنوات لأسباب قالت النيفر انها مرتبطة أساسا بالتزام الشركة الفرنسية بتوفير اخر صيحة من العدادات الذكية.
وأكدت ان تركيز العدادات سينطلق خلال الثلاثي الثاني من 2024، وهو ما لم يحصل الى حد الان، وستتواصل المرحلة التجريبية الى حدود 2026.