بعد فوز اليسار.. هل ترسم العلاقات الفرنسية التونسية مسارًا جديدًا؟

محمد على بن أحمد

بعد النتائج المفاجئة للانتخابات التشريعية التي شهدت اكتساحًا غير متوقع لليسار، تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية بتلهف ما ستؤول إليه العلاقات الفرنسية التونسية.

فقد بات الحديث عن الانتخابات التشريعية وفوز اليسار المفاجئ هو الشغل الشاغل للشارع الفرنسي ووسائل الإعلام العالمية.

ومع هذا التحول السياسي، تُطرح تساؤلات ملحة حول مستقبل العلاقات بين باريس وتونس، وهل ستشهد هذه العلاقات مسارًا جديدًا يعكس التوجهات والرؤى السياسية للقيادة الفرنسية الجديدة؟.

مفاجأة اليسار في فرنسا

في تحول غير متوقع للأحداث، نجح ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة بقيادة جان لوك ميلانشون في تحقيق فوز مفاجئ في الانتخابات التشريعية الفرنسية، موجها ضربة قاسية لليمين المتشدد الذي كان يبدو قريبا من الفوز بعد الجولة الأولى.

واستند ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة في حملته الانتخابية إلى برنامج اقتصادي شامل.

كما تعهد بوضع حد أقصى لأسعار المواد الغذائية الأساسية والكهرباء والوقود والغاز، في مسعى لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين.

ولم تقتصر وعود الائتلاف على القضايا الاقتصادية فحسب، بل شملت أيضا مواقف سياسية واضحة، حيث دعا مرارا إلى وقف ما وصفه بالإبادة الجماعية في غزة.

إعادة تقييم اليسار التونسي: دروس من الانتخابات الفرنسية

صرح الصحفي والمحلل السياسي مراد علالة لموقع تنبزنيس إن النتائج الأخيرة للانتخابات الفرنسية، ولا سيما صعود التيار اليساري، قد أطلقت موجة من التأمل والتفكير داخل اليسار التونسي .

فقد أظهرت هذه النتائج أن هناك إمكانية حقيقية لتحقيق تغييرات جذرية من خلال التحالفات اليسارية، مما يعزز الشعور بالتفاؤل لدى بعض القوى السياسية في تونس.

وهذه النتائج قد تكون بمثابة جرس إنذار لليسار التونسي الذي يشعر بأنه لم يحقق النجاح المرجو في تجربته السياسية حتى الآن.

وفي ضوء هذه التطورات، بدأت تتعالى الأصوات داخل الأوساط اليسارية التونسية مطالبة بمراجعة داخلية شاملة للأداء السياسي للأحزاب اليسارية.

وتهدف هذه المراجعة إلى تجاوز نقاط الضعف الحالية والبحث عن استراتيجيات جديدة لتحقيق الأهداف المرجوة.

وتقدم الانتخابات الفرنسية درسًا قيمًا يمكن أن يسهم في إعادة تشكيل الخريطة السياسية في تونس، مما يجعل المستقبل السياسي أكثر إثارة وتحديًا.

العلاقات الفرنسية التونسية: ثبات أم تغيير بعد الانتخابات التشريعية؟

أشار الصحفي والمحلل السياسي محمد بوعود إلى أن اليسار لم يصل إلى الحكم، مما يقلل من احتمالية حدوث تغيرات كبيرة في تلك العلاقات، خاصة وأن الملف التونسي ليس من أولويات الحكومة الفرنسية المقبلة، التي ستكون مشغولة بإعادة ترتيب بيتها الداخلي.

كما لفت بوعود إلى أن التوجه التونسي نحو إيطاليا وروسيا والصين قد يشكل بديلاً للنفوذ الفرنسي، مما يعكس علاقة متداخلة بين الرغبة في الهيمنة والخشية من فقدان الساحة التونسية.

من جانبه، يرى النائب السابق عن دائرة إيطاليا، مجدي الكرباعي، أن العلاقات التاريخية والاقتصادية الوثيقة بين تونس وفرنسا تجعل من الصعب أن تتأثر بشكل كبير بنتائج الانتخابات.

وأكد أن فرنسا، التي تمر بأزمة اقتصادية، لن تخاطر بفقدان حلفائها الاقتصاديين القلائل في شمال أفريقيا.

في السياق ذاته، صرح علالة بأن العلاقات الثنائية بين البلدين تستند إلى أسس تاريخية قوية، وأن التغيير في الحكم الفرنسي لن يؤدي إلى تغيير جذري في هذه العلاقات.

وأضاف أن فوز اليسار لم يتضح بعد ما إذا كان سيشكل حكومة جبهة شعبية أو حكومة تحالف، مما يجعل الحديث عن تأثير مباشر لهذه الانتخابات على العلاقات الثنائية غير مبرر.

وتظل العلاقات الفرنسية التونسية معقدة ومتشابكة، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية والتاريخية، مما يجعلها أقل عرضة للتأثر بتغيرات سياسية طارئة.

هل انتهى عصر ماكرون وتراجعت الهيمنة الفرنسية في إفريقيا؟

أعرب الكرباعي، عن تشككه في نهاية عصر ماكرون أو تراجع الهيمنة الفرنسية في إفريقيا.

وأكد أن السياسة الخارجية لفرنسا ليست وليدة اللحظة أو نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، بل هي نتاج عصور طويلة.

وأضاف الكرباعي أنه من غير المرجح أن تتخلى فرنسا بسهولة عن المنطقة الإفريقية، رغم التحديات الأخرى التي تواجهها مثل الحرب الأوكرانية والمشاكل الاقتصادية الداخلية.

من جانبه، أكد علال أن عصر ماكرون قد انتهى بالفعل، مشيرًا إلى الأحداث الأخيرة في النيجر ومالي كأدلة على ذلك.

وأشار إلى أن الزمن الفرنسي في إفريقيا قد ولّى.

كما أضاف بوعود أن فرنسا فقدت نفوذها في منطقة الساحل والصحراء وتراجعت كثيرًا في شمال إفريقيا خلال فترة ماكرون.

وأوضح أن فرنسا توشك على الخروج من منطقة البحر المتوسط لصالح اللاعبين الجدد مثل روسيا وتركيا.

وأشار إلى أن الحكومة الفرنسية الجديدة قد تكون مطالبة باستعادة نفوذها في المناطق التي خسرتها.

وأضاف محمد بوعود أن تونس تبقى الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، حيث لا تزال المنطقة الوحيدة التي تحتفظ فيها فرنسا بنفوذها السياسي.

وهذا الواقع يجعل من تونس الساحة الأخيرة للتأثير الفرنسي في إفريقيا، مما يعزز الأهمية الاستراتيجية للبلاد بالنسبة لفرنسا.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version