تحدثت تقارير إعلامية ومختصين عن تغير خارطة العالم الاقتصادية، في علاقة بالتبادل التجاري بين الدول ووجهة الاستثمارات، خلال السنوات الأخيرة.
وقد تأثرت الخارطة الاقتصادية بعدة عوامل، تتعلق أساسا بالصراعات السياسية والحروب، والحديث عن التكتلات الجديدة، إضافة الى الأزمات الصحية والجوائح الطبيعية.
كما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الأسواق الجديدة، والمتعلقة أساسا بالسوق الافريقية، التي يدور حولها صراع اقتصادي بين القوى الاقتصادية في العالم.
واثار هذا التوجه الصيني للقارة الافريقية جدلا واسعا بين من يعتبر أن الصين تبحث عن أسواق جديدة لتلافي العقوبات المسلطة عليها وترى في افريقيا الموطن المناسب لذلك، وبين من يتحث علن بحث الاقتصاد العالمي الضخم عن تموقع سياسي استراتيجي في العالم، وبين من يتهمها بنهب ثروات القارة السمراء.
الصين تعزز استثماراتها في افريقيا
كشفت الأرقام الرسمية تفوق الصين على الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل القارة الافريقية، حيث ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي من الصين إلى إفريقيا من نحو 75 مليون دولار في عام 2003، لتصل إلى خمسة مليارات دولار في عام 2022، وهو ما يمثل نحو 4.4 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة.
كما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري ثنائي لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا على مدى السنوات العشرين الماضية، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي التي أظهرت أنه بحلول 2023 استحوذت الصين على 20 في المائة من صادرات المنطقة، مع حجم تبادل تجاري بلغ 282 مليار دولار، ما يمثل رقماً قياسياً.
مبادرة الحزام والطريق
أعلنت الصين عن اطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 كاستراتيجية تنمية عالمية على أنقاض طريق الحرير، بهدف ربط الصين بالعالم، وتركز على توجيه الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في المقام الأول نحو البنية التحتية للنقل والطاقة والتعدين.
وتعمل بيكين على تهيئة منطقة شمال إفريقيا لتضطلع بدور حيوي في الربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وعقدت الصين في هذا الإطار عدة ملتقيات، وقامت بعدة تحركات في هذا الاطار من أجل تعزيز تواجدها في المنطقة.
وقد اثار هذا التواجد الجدل، خاصة في علاقة بشركاء دول افريقيا التقليدين، وفق عدة تقارير إعلامية.
ومن بين أكثر الدول الجاذبة للاستثمارات الصينية هي جنوب إفريقيا، حيث ابلغت نحو 683.1 مليون دولار في عام 2022، تليها النيجر والكونغو الديمقراطية في المركزين الثاني والثالث مع تدفقات بقيمة 567.1 مليون دولار و391.1 مليون دولار على الترتيب في العام ذاته.
كما تبرز مصر ودولة كوت ديفوار مع تدفقات استثمارية من الصين تتجاوز 200 مليون دولار في عام 2022، ثم تأتي زامبيا وإريتريا ونيجيريا وأوغندا وموريشيوس في المراتب التالية مع تدفقات تجاوزت 100 مليون دولار في العام ذاته.
ارتفاع حجم التجارة
سجلت قيمة التبادل التجاري بين الصين والقارة الإفريقية، خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2024 ارتفاعا هاما.
كشفت بيانات صادرة عن الهيئة العامة للجمارك في الصين أن التجارة بين الصين وإفريقيا ارتفعت بواقع 5.5 بالمائة على أساس سنوي لتسجل 1.19 تريليون يوان، اي ما يعادل حوالي 166.6 مليار دولار خلال الفترة من جانفي إلى جويلية 2024.
وأظهرت البيانات أيضا أن الصين ظلت أكبر شريك تجاري بالنسبة لإفريقيا لمدة 15 عاما متتالية.
وبلغت التجارة بين الصين وإفريقيا مستوى قياسي قدر بـ282.1 مليار دولار في 2023، بزيادة بنسبة 1.5 بالمائة على أساس سنوي.
اتهامات بنهب ثروات القارة
اتهم موقع كوين تريبون الفرنسي أنه ومنذ إطلاق الصين مبادرة “الحزام والطريق” سنة 2013، بدات بكين بنهب ثروات القارة السمراء.
وبين ان هذه المبادرة كانت تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري وتطوير البنية التحتية بين الصين والدول الأخرى، وهي موضع جدل كبير خاصة فيما يتعلق بتأثيراتها على الدول الأفريقية.
وقالت الصين إن المبادرة فرصة لتحقيق تنمية اقتصادية مشتركة.
في المقابل كشفت التقارير أن هذه الاستثمارات قد أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في العديد من الدول الأفريقية، مما يجعلها تبدو أشبه بالاستعمار الجديد أكثر من كونها شراكة اقتصادية.
وكشفت البيانات والارقام أن الصين استثمرت ما يزيد على تريليون دولار في مشاريع البنية التحتية حول العالم ضمن جزء من مبادرة “الحزام والطريق.
وأشار الموقع الفرنسي إلى أن العديد من المشاريع التي تمولها الصين تعاني من سوء التخطيط والتنفيذ، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدول المتلقية.
وكشف أنه في أوغندا، تم اكتشاف أكثر من 500 عيب في محطة كهرومائية تمولها الصين، بينما في أنغولا، يعاني السكان من مشاكل بنيوية في المساكن الاجتماعية التي تم بناؤها بدعم صيني على ما ذكره كوين تريبون، حسب ذات المصدر.
هذا واكد الموقع الفرنسي أن التقارير أظهرت أن الدول الأفريقية التي تلقت استثمارات صينية تجد نفسها غارقة في الديون دون تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة.
زيادة قروض الصين لأفريقيا لأول مرة منذ 7 سنوات
كشفت دراسة مستقلة، نشرت اليوم الخميس 29 أوت 2024، أن مقرضين صينيين وافقوا على قروض بقيمة 4.61 مليار دولار لأفريقيا العام الماضي من بينها تسهيلات نقدية تبلغ نحو مليار دولار للبنك المركزي المصري، في أول زيادة سنوية منذ عام 2016.
وأظهرت أن القارة الافريقية تحصل على قروض تزيد على 10 مليارات دولار سنويا من الصين في الفترة من 2012 إلى 2018 في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ، لكن الإقراض تراجع بشكل حاد منذ بداية جائحة كوفيد-19 في عام 2020.
كما أكدت الدراسة التي أجراها مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن الأميركية أن حجم الإقراض العام الماضي، الذي زاد بأكثر من ثلاثة أمثال عما تم تسجيله في عام 2022، يظهر حرص الصين على الحد من المخاطر المرتبطة بالاقتصادات المثقلة بالديون، وفقا لوكالة رويترز.
ومن بين أكبر القروض المقدمة العام الماضي قرض بنحو مليار دولار من بنك التنمية الصيني تم تقديمه لنيجيريا من أجل مشروع للسكك الحديدية وتسهيلات نقدية بحجم مماثل مقدمة للبنك المركزي المصري.
وقفزت الصين إلى المركز الأول في عمليات الإقراض الثنائي للعديد من الدول الأفريقية مثل إثيوبيا خلال السنوات القليلة الماضية.
ووجدت الدراسة أن ما يقرب من عُشر القروض المقدمة في عام 2023 كانت مخصصة لثلاثة من مشروعات الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، وهو ما يوضح رغبة الصين في الانتقال إلى تمويل الطاقة المتجددة بدلا من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
منتدى التعاون الصيني الإفريقي
تستضيف بكين قمة منتدي التعاون الصيني الأفريقي تحت عنوان “التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوي بمستقبل مشترك” خلال الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر المقبل بمشاركة زعماء وقادة الدول الأفريقية والصين، فضلا عن ممثلي المنظمات الإقليمية الأفريقية والمنظمات الدولية.
ووضعت الصين والدول الإفريقية في هذا الاطار رؤية حتى عام 2035 بهدف تحديد اتجاهات وأهداف التعاون على المدى المتوسط والطويل وتعزيز مجتمع أوثق بمستقبل مشترك للصين وإفريقيا.
وأكدت الرؤية على أن الصين تعد شريكا مهما لأجندة التنمية الأفريقية وتدعم مشروعات الاتحاد الأفريقي حتي عام 2063 وتولي اهتماما بتعزيز الشراكة بين الصين وأفريقيا في إطار مبادرة الحزام والطريق وتتبنى مبدأ التشاور الشامل والمساهمة المشتركة والمنفعة المشتركة وفلسفة التعاون الأخضر والمنفتح والنظيف في تعاونها مع أفريقيا.
وأفادت الرؤية الصينية الأفريقية بأنها ترتكز على أن تصل التجارة بين الصين وأفريقيا إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2035، وأن تعمل بكين على زيادة القدرة التصديرية للدول الأفريقية وتعزيز التعاون معها في فحص المنتجات الزراعية والأغذية، وتسريع عملية الحجر الصحي، وزيادة الواردات الصينية من المنتجات الأفريقية.