راهنت تونس منذ الاستقلال على الثروة البشرية، من خلال وضع التعليم والصحة في المرتبة الأولى ضمن أوليات الدولة الوطنية، ونجحت في هذا الرهان من خلال نجاح التعليم التونسي في تكوين كفاءات وطنية يشهد لها في تونس والخارج.
في المقابل برزت خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة مقلقة في المؤسسات التربوية التونسية، حيث انتشرت أخبار العنف داخل المدارس والاعداديات والمعاهد، وهو ما اثر سلبا على صورة المدرسة والمنظومة التربوية التعليمية في بلادنا.
تفتح الصحف التونسية، فتجد أخبار عن حالات عنف داخل المؤسسات التربوية، بصفة شبه يومية تقريبا، مما يؤكد انتشار هذه الظاهرة واستفحالها في المجتمع والمدارس.
وقد انتشر العنف داخل المؤسسات من مختلف مكونات المنظومة التربوية، فنجد الأستاذ والتلميذ والقيم وغيرهم مسؤول أو طرف في هذه الظاهرة.
وأثارت هذه الحالة من التفشي والانتشار، القلق في تونس، حيث يشتكي التلميذ والأستاذ والعائلة والكل يدعو الى وضع حد لهذه الظاهرة ودراستها وإيجاد حلول لها بصفة عاجلة لتعود المدرسة الى بريقها السابق والى دورها التربوي الأساسي والأول.
ارقام مفزعة
كشف مدير عام المرصد الوطني للتربية رمزي بازة أن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وفي محيطه سجلت ارتفاعا بنسبة 19% بين سنتي 2023 و2024.
واعتبر ان العنف في الوسط المدرسي ظاهرة تهدد المنظومة التربوية، مشيرا إلى أن المرصد يراقب يوميا السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى التلاميذ ومتابعة الإجراءات المتخذة لمعالجة كل وضعية ذات علاقة بالعنف في الوسط المدرسي.
وأكد أنه تم اتخاذ عدة إجراءات بالاشتراك مع وزارة الداخلية تتمثل في حملات تحسيسية لفائدة التلاميذ وأوليائهم وذلك بهدف اتباع مقاربة وقائمة لمعالجة هذه الظاهرة.
وتشير احصائيات وزارة التربية إلى حدود أكتوبر 2022 أن الوسط المدرسي يسجل سنويا ما بين 13 ألفا و21 ألف حالة عنف خاصة في المدارس الإعدادية والمعاهد.
وتتراوح معدلات الجريمة بالوسط والمحيط المدرسي بين 1.7 و2 بالمائة وهي دون المعدلات العالمية للعنف في الوسط .
وكشفت آخر الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية عن ارتفاع منسوب العنف في المحيط المدرسي.
وقالت محافظ شرطة عام، رئيس الإدارة الفرعية للوقاية الإجتماعية بإدارة الشرطة العدلية فاتن مطوسي إن 550 طفلا كانوا ضحايا لأعمال عنف داخل الفضاء التربوي أو في محيطه على مستوى ولايات تونس الكبرى، مقابل 230 طفلا قاموا بممارسة العنف.
كما تشير الأرقام المسجلة خلال سنة 2023 على مستوى ولايات تونس الكبرى أيضا، إلى أن 549 طفلا كانوا ضحايا للعنف (236 تلميذا قاموا بأعمال العنف)، مقابل 550 طفلا كانوا ضحايا لهذا العنف (244 تلميذا مارسوا العنف).
وتحتل ولايات تونس الكبرى على المستوى الوطني نسبة 20 بالمائة من حيث المتضرّرين و14 بالمائة من حيث القائمين بأعمال العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها.
العنف يتخذ منحى خطير ويتحول الى جرائم قتل
سجلت جرائم العنف في الوسط او المحيط المدرسي منحى تصاعدي، على مستوى العدد والوقع وخطورة هذه الظاهرة، حيث تحولت الى جرائم قتل واعتداء بالأسلحة البيضاء وغيرها.
وقد تزامنت العودة المدرسية 2024/2025 مع جرائم قتل وعنف شديد اهتز لها الرأي العام في عدد من الولايات بينها نابل وبن عروس ومنوبة.
وتوفي تلميذ أمام أحد المعاهد الثانوية بجهة مقرين من ولاية بن عروس، بعد أن قام شاب بطعنه بواسطة آلة حادة.
كما تعرّض تلميذ آخر يبلغ 14 سنة، بمدرسة إعدادية بجهة المروج إلى الاعتداء بالعنف الشديد من قبل تلميذ آخر أمام قسمه.
وتعرض تلميذ ورياضي بمنطقة بئر شلوف من ولاية نابل للاعتداء الشديد من قبل عدد من التلاميذ، على اثر خلاف بين طرفين تحول الى معركة، احالت التلميذ المذكور على الإنعاش.
وتعرض ناجم فريضي وهو معلم لغة فرنسية للعنف الشديد بالة حادة من قبل أحد أولياء احد التلاميذ قرب المدرسة.
وقال المعلم أنه نظم مسابقة للتلاميذ وأعطى جائزة للفائز فإذا بأحد اقرباء تلميذ لم يفز بالجائزة، اعتدى عليه بآلة حادة على مستوى ذراعه.
كيف تتم معالجة هذه الظاهرة؟
عدد من الأخصائيين في علم النفس على أن هذه الظاهرة سببها أساليب التنشئة الأسرية (ممارسة العنف داخل الفضاء الأسري ) ومشاهدة التلاميذ لسلوكيات عنيفة في الشارع وعلى منصات مواقع التواصل الاجتماعي والأفلام والمسلسلات..
ودعا الجميع الى إيقاف هذا النزيف من خلال تضافر مختلف الجهود داخل العائلة والأسرة التربوية على حدّ سواء.
وفي هذا الاطار، قالت نائب رئيس الهيئة الوطنية للجمعية التونسية للنهوض بالصحّة النفسية والمختصة في الطفولة نائلة عميرة في تصريح لموقع “تونبيزنيس”، اليوم الاثنين 18 نوفمبر 2024، إن ظاهرة العنف اعتماد مقاربة الحلول أصبحت ضرورة اليوم من اجل التخفيف من انتشار هذه الظاهرة.
واشارت الى ان العنف أصبح منتشر في المؤسسات التربوية وحتى في مؤسسات الطفولة المبكرة “الروضات”.
وشددت على ضرورة اعتماد التوعية والردع للحد من العنف الذي تفشى في كل المجتمع.
ودعت الى ضرورة العودة الى تكريس ثقافة الحوار داخل العائلة وداخل الفضاء التربوي وقبول الاختلاف، “ائلة “للاسف نحن نرفض الاختلاف وهو ما يولد العنف كذلك”.
اسباب انتشار الظاهرة
أكدت محدثنا أن ظاهرة العنف هي نتيجة حتمية لغياب الأولياء والتخلي عن دورهم، اضافة الى الاستعمال المكثف للاطفال لوسائل التواصل الاجتماعي والهاتف وغيرها.
وشددت على ان السبب اول لانتشار ظاهرة العنف هو العيش في العالم الافتراضي وتعرض الطفل لمشاهد عنف شديد وانتشار العنف اللفظي.
وبينت عميرة أن استسهال العنف والتطبيع معه حول العنف اللفظي الى عنف مادي وساهم في تواصله، بل وزيادة خطورته ليتحول الى عنف بالاسلحة واعتداءات خطيرة.
كما اشارت الى التباهي بالعنف داخل الفضاءات التربوية مع غياب الردع والتوعية، ونوادي تغرس ثقافة الحوار والتصالح والتسامح.