اثار بلاغ وزارة التربية، الذي أصدرته مؤخرا حول منع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربية بالنسبة للمعلمين والأساتذة، جدلا واسعا، داخل كل المنظومة التربية وفي العائلات.
وجاء بلاغ الوزارة في شكل تحذير للمدرسين من تعاطي أنشطة تعلق بدروس خصوصية في أماكن غير مهيئة وخارج المؤسسات التربوية، حيث نبهت الى ان أي مخالفة للقانون تعرض مرتكبها لتتبعات تأديبية وعدلية.
ويذكر أن الدروس الخصوصية أصبحت تشمل كل المواد وكل المستويات التعليمية، خلال السنوات الأخيرة.
تحذيرات من خطورة هذه الظاهرة
أكدت وزارة التربية في بلاغ أصدرته، خلال الأسبوع الماضي، مجددا منع تقديم، المدرّسين العاملين بمختلف المؤسسات التربويّة العمومية الابتدائية والإعدادية والثانوية التابعة للوزارة ، الدروس الخصوصية خارج فضاء المؤسسات التربوية العموميّة.
ودعت وزارة التربية في هذا الصدد إلى ضرورة التقيّد بمقتضيات الأمر المتعلّق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية.
وأفادت بأن كلّ مخالف لذلك يعرّض نفسه إلى الإيقاف التحفظي عن العمل وإلى الإحالة على مجلس التأديب وإلى تسليط العقوبات المستوجبة بما في ذلك عقوبة العزل علاوة على التتبعات العدلية.
كما نبهت وزارة التربية كافّة الأولياء إلى مخاطر الانخراط في هذه الظاهرة بدفع أبنائهم إلى تلقي دروس خصوصيّة خارج فضاءات المؤسسات التربويّة العمومية و الإطار القانوني المنظم.
من جهتها، اعتبرت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية باتت ”تشكّل خطرا” على التعليم العمومي والخاص على حدّ سواء.
وأشارت إلى أنّ الدروس الخصوصية تحوّلت إلى ”ما يشبه التعليم الموازي غير الخاضع للمراقبة”.
كما دعت المنظمة إلى غلق ”مراكز الدعم والدروس الخصوصية” بهدف القضاء على هذه الظاهرة التي انتشرت خارج المؤسسات التربوية العمومية.
وبينت أنّ ”المئات منها (مراكز الدعم) تدار من معلمين وأساتذة من القطاع العمومي يجبرون التلاميذ على الالتحاق بها”، رغم أنه تم الترخيص لإحداثها لفائدة طالبي الشغل والحاملين لشهادات جامعية عليا لإسداء خدمات تعليمية تكميلية بمقابل وفقا لشروط محدّدة.
وقالت الوزارة إنه “يحجّر تحجيرًا باتًا على المدرّسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العموميّة الابتدائيّة والإعداديّة والثّانوية التابعة لوزارة التربية تقديم دروس خصوصية خارج فضاء المؤسسات التربويّة العموميَّة”.
ولفتت إلى أن “كل مخالف لذلك يعرّض نفسه إلى الإيقاف التحفّظي عن العمل وإلى الإحالة على مجلس التأديب وإلى تسليط العقوبات المستوجبة بما في ذلك عقوبة العزل علاوة على التتبعات العدليّة”.
رقم معاملات الدروس الخصوصية يتجاوز الـ3 مليارات
أكد رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني، في تصريح لموقع تونبيزنيس، أن ظاهرة الدروس الخصوصية استفحلت في السنوات الأخيرة وأصبحت تشمل كل المواد والمستويات وحتى خلال العطل.
وقال ان رقم معاملات هذه الظاهرة اصبح متضخم بدرجة كبيرة، حيث انه يتراوح بين 1.5 الى 3 مليون دينار، وقد يتجاوز ذلك، وفق تعبيره.
وأفاد بأن هذه الظاهرة تخلق فوارق كبيرة بين فئات المجتمع والجهات وبين الإطارات التربوية، حيث أنه هناك إطارات تربوية تعيش البذخ مقارنة بزملائهم الذين لا يقدمون دروس خصوصية.
الدروس الخصوصية شر لابد منه
قال الزهروني ان الدروس الخصوصية شر لابد منه، لان أداء المنظومة التربوية مع تراجع المنظومة منذ اكثر من 30 عام، منذ اعتماد مبدأ الارتقاء الالي للتلاميذ، الذي أكد انه اضر كثيرا بهذه المنظومة.
وأفاد بأن مرض التعليم انطلق منذ سنة 1991 منذ اعتماد الارتقاء الالي وإلغاء اجبارية مناظرة “السيزيام” و”النوفيام” واجبارية التعليم حتى الـ15 سنة فقط.
وبين أن المنظومة الحالية تمنع الرسوب تمنع الرسوب مهما كان وضع ومستوى التلميذ مما دفع العائلات الى خلق مسار دراسي موازي للتعليم العمومي والخاص لضمان نجاح أبنائهم.
وأشار إلى أن الجانب الذي وصفه باللااخلاقي، ويتعلق أساسا بالكسب المادي، من خلال الضغط على التلاميذ للانخراط في الدروس الخصوصية.
وأكد أن الوزارة لا تعالج الظاهرة بل تحد من أضرارها لأنها اقرت بانها ضرورية داخل المؤسسات التربوية لتعويض النقص الحاصل في التحصيل العلمي للتلميذ.
300 دينار شهريا لكل تلميذ
وقال رئيس المنظمة التونسية لارشاد المستهلك لطفي الرياحي فإنّ تكلفة التلميذ الواحد في المرحلة الابتدائية من الدروس الخصوية تتراوح بين 250 و300 دينار شهريا، طلية السنمة الدروسة وهي أرقام مكلفة جدا بالنسبة للولي، وفق دراسة أعدّتها المنظمة.
وأوضح أنّ 67 بالمائة من تلاميذ الابتدائي (قرابة 1 مليون و576 تلميذا من بين 2 مليون و356 الفا)، يتلقون دروسا خصوصية في 3 مواد على الأقل والتي يقدّر أجرها بـ80 دينارا للمادة الواحدة.
وبين أنّ 51 بالمائة من الدروس الخصوصية يقدّمها مدرس القسم ذاته.
ويصل سعر الدروس الخصوصية الى 250 دينار للمادة الواحدة في بع المواد وخاصة بالنسبة لتلاميذ البكالوريا.
سوق سوداء للدروس الخصوصية
شدد رئيس جمعية التلاميذ والاولياء على أن السؤال المطروح اليوم هو أنه هل أن المؤسسات التربوية العمومية قابلة ومهيئة لاستقبال مسار تعليمي اخر مجاني أو بمقابل؟
وأكد ان المؤسسات ليس لديها الإمكانيات الشرية والمادية لتغطية المسار العادي للتعليم، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات نسبة نجاحها ستكون محدودة لأنها تتطلب حس تضامني كبير من الإطارات التربوية التي كانت تكسب أموال طائلة من الدروس الخصوصية وسيحد هذا الاجراء من مكاسبها.
وقال ان نتيجة هذه الإجراءات ستساهم في ازدهار التعليم الخاص على حساب المدرسة العمومية، مفيدا بأن التعليم الخاص سيتمعش من ذلك كثيرا
وأضاف محدثنا ان ذلك سيخلق كذلك سوق سوداء للدروس خصوصية، لان المنظومة التربوية لا تستجيب لمعايير النجاح والجودة اليوم، مشيرا الى انقطاع 100 الف عن الدراسة وتنامي العنف وغيرها.
اضرارها على التلميذ
تحدث الزهواني في تصريحه للموقع، عن الاضرار الأخرى للدروس الخصوصية والمتعلقة خاصة بالتلميذ.
وقال ان التلاميذ في تونس يدرسون 3 ازمنة مدرسية مقارنة بأقرانه في الدول المتطورة، حيث أنه يدرس في المؤسسة التربوية ثم في الدروس الخصوصية وفي المنزل.
وأفاد بان التلميذ فقد الزمن الاجتماعي، وفقد قدرته على مواكبة طفولته ومراهقته وشبابه، وهذا ينعكس سلبا على سلوكه ومدى اندماجه داخل المجتمع، وفق تقديره.
من جهتها، أكدت نائب رئيس الهيئة الوطنية للجمعية التونسية للنهوض بالصحّة النفسية والمختصة في الطفولة نائلة عميرة في تصريح لموقع “تونبيزنيس”، أن الخلل في المنظومة التربوية وفي تكوين المربين بصفة مستمرة احلنا على الدروس الخصوصية، وفق تعبيره.
وبينت انه وكأستاذة متقاعدة كانت تقدم كل المعطيات داخل القسم ويمكن ان تعيد نفس الدرس مرات لإعطاء الفرصة للجميع للفهم والتحصيل العلمي.
وشددت على أن عدم تكافئ الفرص الذي فرضته الدروس الخصوصية خلق نوع من النقمة والصراع الداخلي لدى التلميذ الذي يعتمد العنف والتصرفات السلبية للتعبير عن هذا الصراع ومواجهته.
الحلول
دعا الزهواني الى ضرورة بناء المراحل الابتدائية والتخلي عن إجراءات 1991 التي اضرت بالتعليم في تونس.
وأفاد بان البناء ينطلق من السنة الأولى من خلال تأمين المستوى الحقيقي للمتعلم الذي يخول له الارتقاء من مستوى الى اخر، لافتا إلى ضرورة ضمان البناء المعرفي للارتقاء دون دعم.
وشدد على ضرورة التكوين بالنسبة للإطارات التربوية بصفة مستمرة ومراجعة الزمن المدرسي، مؤكدا ضرورة الإسراع في اصلاح المنظومة التربوية.
وبين أن الإصلاح سيمكن من تراجع الطلب على الدروس الخصوصية، من خلال بناء التحصيل المعرفي لتدارك النقص.
وأشار إلى أن كل الأنظمة العالمية توفر التعليم والتحصيل العلمي داخل المسار المدرسي العادي.