تعيش تونس كسائر دول العالم على وقع تغييرات تتعلق في مجملها بسلوكيات الافراد، وتغيير المفاهيم القديمة حول الدراسة وكسب المال والاستثمار وغيرها.
وفي عالم مفتوح على مصرعيه تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي، برزت ظاهرة الربح السريع وتكوين الثروة دون تعب ولا جهد ودون علم ودراسة.
وظهرت كذلك “مهن” جديدة، تتعلق أساسا بكل ما هو رقمي الكتروني، على غرار صناعة المحتوى والرهان الالكتروني وغيرها.
ومع اتاحة ووصول الانترنت الى نسبة كبيرة من المواطنين في تونس وانتشار اخبار والفيديوهات حول كسب المال عن طريق الهاتف او الحاسوب او اللوحة الرقمية من خلال المراهنة على مباريات كرة قدم وغيرها، انتشرت محلات الرهان الالكتروني في كل المناطق التونسية.
وأصبحت مواقع الرهان الالكتروني منتشرة وتظهر بصفة جلية حتى على وسائل الاعلام المحلية، حيث تنتشر في التلفاز والاذاعات وعلى صفحات الجرائد.
الرهان الالكتروني وكسب الملايين
يفتح ملف الرهان الرياضي في كل مرة مع ورود بلاغ من وزارة الداخلية أو الإدارات التابعة لها، حول حجز أموال طائلة وإيقاف صاحب محل او مجموعة من الشباب يتعاطون الرهان الرياضي.
وتثير هذه الاخبار عدة نقاط أهمها مدى قانونية هذا النشاط، خاصة ان محلات الرهان الالكتروني والمواقع الناشطة في هذا المجال تفتح في كل مكان وبصفة يومية واما اعيين الجميع، بل وتروج لخدماتها عبر وسائل العلام وتضخ أموال طائلة في هذا الشأن.
في هذا الاطار قال طارق، وهو صاحب محل سابق للرهان الرياضي، لتونبيزنيس، انه خلال سنة 2022 اتصل به قريبه وحدثه عن إمكانية كسب الملايين في وقت وجيز من خلال فتح محل للرهان الالكتروني، مشيرا الى انه تخلى عن وظيفته في شركة خاصة وقام بكراء محل من اجل فتح فرع لاحد المواقع الالكترونية بمنطقة شعبية بالعاصمة.
وبين أن إدارة الموقع تكفلت بتجهيز هذا المحل بعدد من الحواسيب وتلفاز ضخم والانترنت وتزويق المحل وغيرها من الإجراءات الضرورية من اجل فتح الفرع.
وأفاد بان تكفل الموقع بكل المصاريف زاد من اقتناعه بأن الأرباح ستكون خيالية وبأن هذا المحل سيكون فرصة العمر، وفق تعبيره.
وأشار الى ان تجربته دامت فقط 5 اشهر وبعدها اغلق الفرع ولليوم يعمل من اجل خلاص الديون المتخلدة بذمته لدى حرفاء المحل وأصحاب الموقع.
أضاف محدثنا ان الاستثمار في هذا المجال يتطلب أموال كثيرة، لان الربح الخيالي الذي يتحدث عنه الجميع لا يكون بين ليلة وضحاها، وقد تكون هناك خسائر متتاتلية، حسب قوله.
وأكد على ضرورة التثبت من مدى قانونية هذا النشاط لان صديقه الذي ادخله هذا العالم تم إيقافه وحجز كل أمواله بعد مدة قصيرة من غلق المحل الذي كان يتصوغه.
الإطار القانوني
يمنع القانون التونسي الألعاب التي تقوم على الربح، ويعتبرها “قمار”، وفق المرسوم عدد 20 لسنة 1974 المتعلّق بإقامة معارض الألعاب وألعاب البيت واليانصيب، والّذي تمّت المصادقة عليه بالقانون عدد 96 من نفس السنة.
يُجرّم هذا المرسوم في فصله الأول الألعاب التي تقوم على الحظ، ويعتبرها قمارًا تُمنع ممارسته، باعتبارها نشاطًا يقوم على تحقيق ربح دون بذل جهد فكري أو بدني مقابل ذلك.
وبعد 10 سنوات وتحديدا سنة 1984، صدر القانون عدد 63 المتعلّق بتنظيم وتنمية الأنشطة البدنيّة والرياضيّة.
وينص هذا القانون في بابه السابع على بعث مؤسّسة النهوض بالرياضة “البروموسبور“، وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة صناعيّة وتجاريّة تخضع لأحكام القانون التجاري والقانون المحدث لها، مُكلَّفة بالنهوض بالأنشطة الرياضية عبر المسابقات والتكهّنات الرياضية، تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة.
ولم يتم تحيين هذه القوانين الى حد الان، وبقيت على حالها رغم تغيير أساليب وطرق الرهان، ودخول تقنيات وأساليب جديدة تتعلق بالرهان الالكتروني والرقمنة.
ورغم عدم وجود قانون ينظم نشاطها ويحدد ما اليها وما عليها، انتشرت هذه المواقع بصفة كبيرة خلال السنوات الماضية مع غياب قانون يمنع وجودها كذلك.
وأصبحت تستقطب فئة هامة من الشباب وحتى القصر خاصة انها توجد في المدن وقرب المؤسسات التربوية والجامعية.
ويذكر أن قانونا الماليّة لسنتَي 2021 و2023 ، ورد فيهما احكاما تتعلق بالرهان الرياضي والألعاب الالكترونية، وفرض معاليم جبائية على المؤسسات النشطة في المجال وعلى كذلك رواد هذه المحلات ممن يربحون أموالا طائلة.
وتم اخضاع المحلات الناشطة في هذا المجال للأداءات والمعاليم، مثل الضريبة على الدخل أو على الشركات -حسب طبيعة الشركة أو الشخص القائم بالنّشاط-، من خلال فرض ضريبة بنسبة 0.2 بالمائة من رقم معاملاتها وخصم بـ25 بالمائة من أرباح المتراهنين
ونص قانون المالية لسنة 2021 على إلغاء الخصم من المورد، مقابل فرض معلوم على منظّمي ألعاب الرهان والحظّ بنسبة 15% يُوَظّف على أساس ناتج الاستغلال الخامّ، وهو الفارق بين قيمة الرهانات وقيمة الأرباح.
وأقرت الدولة التونسية في قانون المالية لسنة 2023 الغاء المعلوم المستوجب على الشركات الممارسة للرّهان الرياضي، لتعيد تفعيل الخصم من المورد بنسبة 25% على أرباح المتراهنين.
عائدات تصل الى 7 مليارات.. مرسوم لم يرى النور منذ 2021
أعلنت وزارة الشباب والرياضة خلال سنة 2021 عن مناقشة مشروع مرسوم ينظم الرهان الالكتروني.
ويهدف إلى محاربة الفساد وتبييض الأموال ويسعى إلى الاستفادة من عائدات الرّهان وإعادة إدماجها في الاقتصاد الوطني.
في المقابل المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي ما سمّاه “انفراد الوزارة” بمناقشة هذا المشروع، على اعتبار أنّها دعت شركة النهوض بالرياضة لمناقشة مشروع هذا المرسوم، الّذي لم يرَ النّور بعد.
في ذات الإطار، اكد وزير الرياضة والشباب والسابق كمال دقيش وزير ان وضعية شركة النهوض بالرياضة (البرومسبور) ليست كارثية رغم الصعوبات التي تعيشها جراء انتشار ظاهرة الرهان الرياضي الموازي غير القانوني الذي اضر بمردوديتها.
وأفاد بان نشاط هذه الشركات يحقق عائدات مالية كبيرة تتراوح بين 3 و7 مليون دينار سنويا وذلك في شكل مؤسسات تنشط ظاهريا في مجال الاعلامية.
واشار إلى ان “شركة النهوض بالرياضة نجحت في المحافظة على توازناتها المالية رغم المنافسة غير الشريفة التي تجدها من قبل محلات الرهان الرياضي والعاب الحظ الموزاية مستندة في ذلك الى قانون المالية 2021 الذي فتح باب التأويل لتزاول هذه المؤسسات النشاط في هذا المجال مشيرا الى ان القانون التونسي صريح في هذا السياق باعتبار ان الدولة تمتلك وبصفة حصرية ادارة قطاع الرهان الرياضي”.
كما أبرز الوزير ان العمل جار على وضع استراتيجية وطنية للرهان الرياضي ترتكز على رقمنة ألعاب الحظ والرهانات والتصدي للجرائم المتصلة بهذا النشاط وتمّ الاستئناس بالتجربة الإيطالية في مجال الرهان الرقمي
وبين دقيش ان “الوزارة سعت من خلال لزمة الى التعاون مع شركة ايطالية مختصة في الرهان الرياضي وذات خبرة في المجال من اجل رقمنة وتعصير نشاط شركة النهوض بالرياضة فضلا عن تولي تلك الشركة انشاء 100 ملعب حي ونقل المهارات غير ان شيطنة تلك الشراكة والمنافسة غير القانونية من قبل مؤسسات الرهان الموازي منعتنا من اتمام الصفقة”.
وقال إن الوزارة ستعمل على سن مشروع قانون لتنظيم ومراقبة الرهان الرياضي من اجل ادخال النشاط اللاقانوني الى دائرة الشرعية والقانون.
أموال طائلة
تفيد بعض التقارير غير الرسمية المنشورة انه يوجد في تونس حوالي 500 الف مواطن يمارسون الرهان الالكتروني.
وقال الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أنه تمت خلال سنة 2022، مداهمة 650 محل لتعاطي الرهان الالكتروني وحجز أكثر من 30 مليون دينار.
وبين انه تمت معاينة والكشف عن تعمد عدد من أصحاب المواقع الالكترونية الناشطة في المجال وأصحاب المحلات الى تحويل مبالغ هامة الى الخارج عبر البنك المزي التونسي.
وأشار إلى أنه تعلقت بهؤلاء جرائم تبييض أموال وتهرب ضريبي، وتم رفع قضايا في الغرض.
من جهته، قال “حسين” أحد الناشطين في هذا المجال كحريف لهذه المحلات، انه تمكن من كسب اموال بطريقة سريعة ودون مجهود لكنه في المقابل خسر الكثير، حيث أنه ينفق كل أجره الشهري تقريبا في هذه الالعاب.
وشدد على أن ثقافة الكسب السريع انتشرت في الاوساط الشبابي خلال السنوات الأخيرة وأن كل اصدقائه تقريبا حرفاء لهذه المواقع.
وافاد يبحث من خلال “القمار” على طريق سهل لكسب المال ولتغطية حاجياته ومصاريف الحياة التي لم تعد متوازنة والاجور المعتمدة في تونس حاليا، وفق تعبيره.