سيتم تناوله بعد العاشر من ديسمبر 2024 أي بعد المصادقة على قانون المالية لسنة 2025، هو مقترح الخبير المالي لدى المحاكم زياد أيوب والمتمثل في مشروع قانون تنقيح النظام الأساسي للبنك المركزي، هذا المقترح الذي يقدمه صاحبه كحل للحد من مديونية الدولة من خلال التوسيع في دور البنك المركزي وفق ما بينه في حوار له مع تونيبزنس.
تراكم الديوان في تونس بعد 2011
80% من الديون ذهبت لسداد ديون أخرى
حول دوافع تقديم هذا المقترح والسياق العام الذي أتى فيه، تحدث زياد أيوب عن تراكم ديون الدولة التونسية، ففي سنة 2024 تقارب خدمة الدين 25 مليار دينار وهو نفس الرقم تقريبا لسنة 2025 وفق توقّعه.
أشار أيوب إلى أن تراكمات الديون على المستوى الداخلي والخارجي بدأت بعد 2011 بسبب اتباع سياسة خاطئة مفادها التداين لسداد ديون سابقة فبين سنتي 2011 و2022 80% من الديون التي تحصلت عليها تونس ذهبت لخلاص ديون أخرى مما دفع إلى تضخم حجمها “ككرة الثلج” وصعّب تسديدها، وحتى نسبة 20% من هذه التمويلات التي وجهت للخزينة العامة، جزء كبير منها متأتي من انهيار سعر الصرف.
واستطرد في هذا السياق قائلا إنه في سنة 2014 تم إبرام اتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي بناء عليه طلب من تونس تحرير نظام الصرف بالتالي الانتقال من نظام مرن مسيّر إلى نظام مرن مطلق أي دون تدخل البنك المركزي بتاتا مما أدى إلى انحدار الدينار.
“قبل هذا التغيير كان لدينا سوق العملات يقع فيه تبادل العملة الصعبة والسعر النهائي للصرف الذي تعتمده البنوك كان يحدده البنك المركزي مع الأخذ بعين الاعتبار الأسعار المتداولة في السوق في ذلك اليوم مع احترام معايير المحددة.
البنك المركزي كان لديه القدرة نوعا ما على تعديل السوق ومنع الانهيار المفاجئ للدينار التونسي وبعد التغيير أصبح السعر المتداول في السوق هو ما يتم اعتماده 100% دون تدخل البنك المركزي وهذا يعتبر اشكالا لأن الأسواق المالية بصفة عامة لا تعكس بالضرورة القيمة الحقيقة للأشياء”، أضاف الخبير.
ومع انهيار سعر الصرف توريد لوازم الدولة سيصبح أغلى والدعم سيكلف أكثر، أشار أيوب، وقدم مثال اقتناء منتوج يكلف 500م ويباع ب 300م مع انهيار العملة ستكلف القطعة 750م فيرتفع الدعم من 200 إلى 450م.
وفي سنة 2016 تمت المصادقة على قانون استقلالية البنك المركزي تحت ضغط من صندوق النقد الدولي وهو ما عمق الفصل بين البنك المركزي وسعر الصرف، قال الخبير، مشيرا إلى أنه من بين مشموليات البنك المركزي هو الحفاظ على سعر الصرف ومع سحب هذه المهمة منه أصبح من الناحية القانونية غير معني به بالتالي تم الفصل بين البنك وبين المصلحة العامة للدولة، معتبرا أنّ سياسة الالتجاء إلى الديون وسياسة فصل البنك المركزي عن المصلحة العليا للدولة هما المتسببان بشكل كبير في الأزمة التي تشهدها تونس اليوم.
67 مليار دينار خسرها دافعوا الضرائب بين 2011 و2022
إذا قمنا في تونس بخلاص الديون الخارجية في السنوات الأولى بعد 2011 متى كان لدينا مخزون مهم من العملة الصعبة، حيث كانت تتراوح أيام التوريد حينها بين 120 و140 يوم، كان من الممكن أن تكون تونس اليوم بلا ديون خارجية أو يكون حجم ديونها ضئيلا, وفق قراءة الخبير.
“إذا اتبعنا السياسة التي يقرها مشروع قانون تنقيح النظام الأساسي للبنك المركزي لكنا اليوم بلا ديون أو لدينا نسبة ضئيلة من الديون الخارجية، ومن هذا الإطار ينطلق هذا القانون أين راجعنا دور البنك المركزي ليكون أكبر فيصبح معني بسعر الصرف كما كان من قبل ومعني بالمساهمة في النمو الاقتصادي للدولة كما معني بتقليل كلفة الدين للدولة لأن تلك الديون سيدفعها المواطن التونسي”، قال زياد أيوب.
وأضاف أنه بسبب سياسة الديون المتبعة، خسر دافعوا الضرائب, بين 2011 و2022, 67 مليار دينار وهو ما يترجم من خلال النقص الذي تشهده المستشفيات ووسائل النقل والمدارس، فقد فقدت الدولة الإمكانيات لتسيير أمورها ولم تستطع دفع التزاماتها المالية للشركات التونسية اللاتي عملن معها أو زودنها بالموارد أو الخدمات وهو ما أدى إلى افلاس جزء من الشركات التونسية.
ولأن الخزينة العامة لم تجد أمامها أي خيار بديل، التجئت إلى البنوك التجارية لتمويلها بالتالي وجهت مدخرات التونسيين بالبنوك إلى تمويل الخزينة العامة لسداد الديون، قال زياد أيوب، مبينا أنّه إذا احتسبنا مجموع الديون على عدد السكان فإن كل تونسي اليوم متداين ب 10 آلاف دينار وكل عائلة تتكون من 4 أفراد لديها ديون ب 40 ألف دينار.
وهو ما اعتبره رقما كبير يكسب مشروعية لمقترحه “الذي سيحل إشكال المديونية نهائيا وينقذ تونس من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها”، وفق تعبيره.
ما الذي يقترحه مشروع قانون تنقيح النظام الأساسي للبنك المركزي؟
تخفيض كلفة الدين على المستوى الداخلي
تموّل البنوك التجارية الدولة ثم تضع السندات الحكومية التي مولت بها الدولة بالبنك المركزي كضمان حتى يقرضها ويستجيب لحاجتها للسيولة. وفي حين تفرض البنوك على الدولة نسب فائدة تتراوح بين 9% و10%، تقدر نسبة الفائدة الملزمة بها البنوك أمام البنك المركزي اليوم 8%، فتربح هذه البنوك بالتالي الفرق وتصبح كلفة التداين مرتفعة جدا على الدولة.
فيكمن المقترح الذي قدمه زياد أيوب, في هذ الإطار, في شراء السندات الموضوعين بضمة البنك المركزي من قبل البنك التجاري ويتخلى عن الديون المساوية لنفس مبلغ السند تجاه الدولة فتصبح الدولة ملتزمة بالدين تجاه البنك المركزي أين تكون نسبة الفائدة أقل وتخرج البنوك التجارية من الحلقة فتتخلص الدولة من هامش الربح الذي كانت ستربحه البنوك التجارية مما يؤدي إلى التقليص في كلفة الدين.
حسب مشروع هذا القانون سيخفض سعر الفائدة، بين البنك المركزي والدولة، إلى 1% وستدفع الخزينة العامة التزاماتها المالية ايزاء البنك المركزي في شكل سندات طويلة الأمد (على سبع سنوات) وهكذا تتجنب الدولة البحث عن النقد لخلاص الدين “بالتالي سيجنب دافعي الضرائب من الدفع من محفظاتهم لتمويل خلاص الديون”، بيّن صاحب المقترح.
قال زياد أيوب إنّ نسق تصاعد الديون الذي تشهده تونس اليوم تجاوز كثيرا نسق النمو حيث ارتفعت نسبة الديون من الناتج القومي الخام من 40% سنة 2011 إلى 80% حاليا وتواصل هذا المنوال قد يؤدي إلى الإفلاس.
شدّد الخبير المالي على أنّ الحد من كلفة التداين سنويا ستخلص دافعي الضرائب من تسديد الفوائد، ففي سنة 2024 تونس ملزمة ب 7 مليارات دينار فوائض وهو ما يمثل 4 نقاط نمو بالتالي عوائد النمو تذهب للفوائض، “و7 مليارات دينار حين نقلص منها، سنربح أموال تقدر، تقريبيا، بملياري دينار في السنة القادمة و ثلاث مليارات في السنة الموالية وقد تصل إلى 6 مليارات دينار بعد سنوات لأنها تتبع نسقا تصاعديا، ثم ستوجه هذا الأموال نحو تحسين الخدمات” وفق كلماته وقد أكّد أن الربح الذي سيعود على الدولة مرتبط بمدى تطبيق هذا القانون.
تسهيل العمل الحكومي
كما يقترح مشروع قانون تنقيح النظام الأساسي للبنك المركزي إجراء أخر وهو “التسبقة محدودة الأجل (لا تفوت 280 يوما) وفي حدود 10% من واردات السنة الفارطةوتقوم على إلغاء البنك المركزي للمبالغ النقدية التي قدمتها له الخزينة العام في إطار تسديد دينها وذلك لتسهيل العمل الحكومي وتمكين الحكومة من المحافظة على المصلحة العامة للدولة وللشعب التونسي دون خطر التضخم”.
ولتوضيح هذه الفكرة قدم زياد أيوب مثال فلاحين لديهم صابة زيتون وفيرة مقابل انخفاض السعر بالسوق وطاقة تخزين محدودة تضطرهم للبيع بالسعر المنخفض فيحققون خسائر، ولكن وفق الإجراء المذكور أعلاه يمكن لديوان الزيت أن يقترض من البنك المركزي (قرض على مدى قصير) ويشتري من عند الفلاحين بسعر محترم ويخزن الكمية ثم يبيعها في الوقت المناسب متى تكون الأسعار مرتفعة في البورصات العالمية فيحقق ديوان الزيت أرباحا والفلاحين أيضا.
“بهذا الإجراء نكون قد وفرنا نقدا للحكومة وقلصنا من كلفة الدين باعتبار أن الفائدة ستكون في حدود 1% في المقابل إذا اتجهنا إلى الممولين لأخذ قرض قصير الأمد (6 أشهر) سيكلفنا فوائض بين %8 و9%” وفق تعبيره.
تحسين البنى التحتية وخلق قيمة مضافة
ويقترح مشروع القانون إجراء أخر يقوم على خلق للكتلة النقدية بزيادة قدرها 1%، قابلة للترفيع إلى 2% بعد استشارة البنك المركزي وتصويت الأغلبية النسبية لنواب الشعب وإلى 3% شرط استشارة البنك المركزي أيضا وتصويت الأغلبية المطلقة, وتوجيه المبالغ الناتجة عن هذه العملية لوجهتين إما خلاص الديون الداخلية لدى البنوك التجارية والشركات الخاصة أو تحسين البنى التحتية. “فيحد هذا الإجراء بالتالي من حجم الديون أو يسمح لنا بالاستثمار في البنية التحتية وهو ما يساهم في النمو الاقتصادي” وفق استنتاج الخبير.
ونفى الخبير المالي تأدية العملية الذكورة أعلاه إلى التضخم لأن المبالغ المجمعة غير موجهة للرسوم الإدارية بل موجهة لخدمة الدين أو البنى التحتية، بل اعتبر أنّها تقلص من التضخم.
ولتوضيح الفكرة طرح مثال الاتجاه نحو منطقة فلاحية لا تتوفر فيها طرقات أو بئر أو أي مرافق ضرورية فتخلق الدولة النقد وتحدث طريق وبئر وتمكن الفلاحين المحيطين بتلك المرافق من الاستفادة منها في فلاحتهم.
“قد يتكلف على الدولة هذا التحسين 200 ألف دينار ولكن ستكمن 100 هكتار من الأراضي المحيطة بتلك المرافق من تحويلها من بور إلى سقوية ولنفترض أن كل هكتار ينتج على الأقل 10 ألاف دينار سينتج 100 هكتار سنويا مليون دينار.
رصدت الدولة 200 ألف دينار في المقابل ستخلق قيمة مضافة من المنتوجات الفلاحية التي يستهلكها التونسيون سنويا تساوي مليون دينار. من ناحية ستعود أموال للدولة من خلال الضرائب المستخلصة من أسواق الجملة التي تساوي 14% ومن ناحية أخرى ستخلق قيمة مضافة والتضخم سيتراجع فمقابل 200 ألف دينار هنالك مليون دينار من المنتوجات المتداولة “.
كما ينص هذا المشروع على تخصيص مليار دينار لسداد ديون الشركات التونسية التي قدمت خدمات للدولة التونسية ولم تتحصل على مستحقاتها وذلك بهدف المحافظة على مواطن الشغل ومساهمة هذه الشركات في نسبة النمو. ويقترح إحداث خط تمويل أخر بقيمة 20 مليون دينار لفائدة البحث العلمي يطبق في إطار برامج مشتركة بين الشركات التونسية والدكاترة وشروط تطبيقه تضبط بأمر.
مقترح قانون البنك المركزي بصفة عامة سيحمي تونس من خطر التضخم، وفق صاحب المقترح، لأنه في عدم اعتماده سنعول إما على السوق الداخلية التي لم تعد قادرة بعد على تمويل الدولة، إما على التداين الخارجي وفي ذهابنا لصندوق النقد الدولي سيفرض شروطه وأولها سيكون تعويم العملة، مثل الحال في مصر، ما اعتبره كارثة لتأديته إلى الإفلاس.
استخدام مخزون العملة الصعبة لسداد الدين الخارجي
وعلى مستوى الدين الخارجي يقترح مشروع القانون استخدام مخزون العملة الصعبة لخلاص الديون الخارجية في حال كان لدى تونس أكثر من 90 يوم توريد يعني لديها عملة صعبة تكفي لثلاثة أشهر على الأقل من الممكن أن يتم استخدام جزء منها لخلاص الدين الخارجي عوض الاقتراض من أجل تسديد القرض.
“فنكسر بالتالي حلقة تراكم الديون وقد اقترحت هذا الإجراء السنة الفارطة وتم العمل بيه في فيفري 2024 وكانت العملية ناجحة لأنه، وعلى عكس ما يقول البعض أن هذا الإجراء سيسقط قيمة الدينار ويرفع نسبة التضخم، تقلص التضخم من 10% إلى 6% والدينار بقي مستقرا والترقيم السيادي لتونس ارتفع من CCC-إلى CCC+”، قال زياد أيوب.
وأضاف أنه بتلك الأموال تم سداد ما يقارب 4 مليارات دينار “وإذا اقترضنا نفس المبلغ لخلاصه لبدئنا في 2025 في دفع فوائضه المفترضة التي في حدود 6% أي تعادل ما يقارب 240 مليون دينار سنويا بالتالي وفرنا على دافع الضرائب التونسي، وبعد 5 سنوات لا نجد أنفسنا ملزمين بسداد قرض بقيمة 4 مليارات دينار”.
وخلص صاحب المقترح والخبير المالي لدى المحاكم زياد أيوب أن الإجراءات المذكورة لا تحدث أي تغيير على الكتلة النقدية بل ستخلصنا سنويا من حاجة إلى التداين تتراوح بين 15 و20 مليار دينار دون تغيير الكتلة النقدية.