تعول تونس على القطاع الفلاحي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، في المنتوجات المتوفرة في بلادنا، والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال التثمين والتصدير وخلق الثروة، وفق ما ورد في تصريحات رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء في أكثر من مناسبة.
ويواجه هذا القطاع عدة إشكاليات تتعلق خاصة بالتغيرات المناخية ونقص المياه والإرشاد الفلاحي والبحث العلمي الذي أثبت أنه ضرورة ملحة مع التغيرات الطارئة على القطاع في العالم.
كما يواجه القطاع كذلك إشكاليات ترويج المنتوج على المستوى المحلي، من خلال اضطرار الفلاح للتفريط في المنتوج أحيانا بأسعار لا تغطي التكلفة وارتفاع الأسعار على مستوى البيع للمستهلك.
ويطرح اشكال الترويج كذلك في علاقة بتصدير المنتوجات الفلاحية، من خلال عدم تحويل المنتوجات وتعليبها للرفع من قيمتها التصديرية او التعريف بالمنتوج وترويجها في أسواق جديدة.
أهمية القطاع
تثبت الأرقام والبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة والهياكل التابعة لها ، ممثلة في مركز النهوض بالإحصاء وكذلك المعهد الوطني للإحصاء ان المنتوجات الفلاحية ساهمت بشكل كبير في تراجع عجز الميزان التجاري وتحقيق فائض.
وتصدر تونس عدة منتوجات فلاحية أبرزها زيت الزيتون والتمور والغلال الفصلية وغيرها.
وفي هذا الإطار، أعلن المعهد الوطني للاحصاء عن ارتفاع الصادرات بنسبة 2.1 بالمائة، خلال الـ10 أشهر الأولى من سنة 2024، مقابل 6.9 بالمائة خلال نفس الفترة من سنة 2023.
وافاد بأن هذا التطور يعود إلى الارتفاع المسجل في قطاع المنتوجات الفلاحية والغذائية بنسبة 25.4 بالمائة وقطاع الطاقة بنسبة 23.8 بالمائة وقطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 1.4 بالمائة.
وتحتل صادرات المنتوجات الفلاحية مكانة هامة من حيث قيمة الصادرات التونسية، حيث بلغت 4027 مليون دينار، خلال سنة 2022، وفق ذات المصدر.
تطور صادرات المنتوجات البيولوجية
أفاد المعهد الوطني للفلاحة بأن صادرات المنتوجات الفلاحية البيولوجية التونسية، قدرت مع موفى شهر سبتمبر 2024، بحوالي 49.821 الف طن.
وبلغت قيمة الصادرات 1196 مليون دينار.
وسجلت صادرات المنتوجات الفلاحية البيولوجية تراجعا على مستوى الحجم بنسبة 22.4 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة.
واحتلت ايطاليا الصدارة كأول وجهة لصادرات المنتوجات البيولوجية التونسية بنسبة 44 بالمائة تليها اسبانيا بنسبة 23 بالمائة ففرنسا بنسبة 11 بالمائة.
وتشمل هذه الصادرات اساسا زيت الزيتون والتمور البيولوجية والمنتوجات الغابية البيولوجية.
الفلاحة قطاع منفر
دعا عدد من الفلاحين والمنظمات المهنية، في تصريحاتهم لموقع “تونبيزنيس”، إلى ضرورة العمل على تثمين المنتوج وقيام الجهات الرسمية المعنية بدورها للترويج للمنتوج الفلاحي في الداخل وخاصة في الخارج من اجل الرفع من قيمة صادرات تونس وتحقيق عائدات كبيرة بالعملة الصعبة، وفق تعبيرهم.
في هذا الإطار، قال مراد وهو فلاح شاب ورث العمل في القطاع عن اجداده، إن العمل والاستثمار في القطاع اصبح منفر بسبب تراجع المردودية المادية.
وأشار الى تأثير نقص المياه والتغيرات المناخية مع غياب التمويل على الإنتاج وعائدات القطاع، مشيرا إلى أن الفلاح يتكبد خسائر كبرى في علاقة ببيع المنتوج بأسعار متدنية جدا للموزعين.
وقال ان أسعار البيع من الحقول أحيانا لا تغطي تكلفة الإنتاج في حين ان الأسعار على مستوى التفصيل تتضاعف حتى 5 و6 مرات، مبينا ان ذلك يشعر الفلاح بالغبن والقهر، وفق تعبيره.
من جهته، أكد رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد البشير عون الله، في تصريح لموقع “تونبيزنيس”، أن القطاع يواجه عدة صعوبات تتعلق بتوفر المياه وتمويل المحصول.
وأشار إلى ان الفلاح ينتظر المنتوج أشهر واحيانا سنة كاملة، ولكن بسبب الجوائح وعدة إشكاليات أخرى لا يستطيع حتى تغطية كلفة الإنتاج.
وشدد على أن هذا القطاع هو مستقبل البلاد لأنه مسؤول على تأمين الامن الغذائي للبلاد وتوفير العملة الصعبة والنهوض بالاقتصاد الوطني، وفق تعبيره.
القاء فائض الإنتاج في الطرقات.. ماذا عن الترويج؟
قال البشير عون الله إن الفلاح يزرع ويستثمر ويدفع الكثير لحماية المنتوج وضمان الجودة، لكنه يجد نفسه منفردا في مواجهة كل الصعوبات والاشكاليات ويعاني ويتكبد الخسائر.
وبين أن الفلاح غير قادر على ترويج المنتوج بمفرده في الداخل والخارج، ولا يجد أسواق تستوعب كميات الإنتاج الوفيرة والتي شهدنا في عدة سنوات يتم القائها في الشوارع وعلى الطرقات، وهذا غير مقبول، وفق تعبيره.
وأكد أن وفرة الإنتاج تتحول من نعمة كان المفترض استغلالها الى نقمة للفلاح الذي تكبد الكثير كي يوفر قوة عائلته ويساهم في الاقتصاد الوطني.
وأفاد عون الله بأن الفلاح غير قادر على ترويج انتاجه حتى في الأسواق الداخلية بسبب تخوفه من حجز بضاعته بسبب غياب الفواتير فيضطر لبيعها على رؤوس امهاتها أو من الحقول بأسعار متدنية جدا.
وشدد عل أن هذه الإشكاليات تتعمق مع صغار الفلاحين الذين يمثلون السواد العضم من فلاحي تونس، خاصة انهم لا يمتلكون وسائل نقل لنقل بضائعهم، مشيرا الى ضرورة تركيز أسواق جملة في مناطق الإنتاج بالنسبة للخضر والغلال.
وأضاف أن سوق الجملة ببئر القصعة مثلا لا تستوعب كميات الخضر والغلال المنتجة بصفة يومية خلال ذروة الإنتاج.
الحلول
اقترح رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ومنتج البرتقال بشير عون الله ضرورة تنظيم القطاع من خلال وضع استراتيجية واضحة تعتمد على الإنتاج والترويج والتصدير.
وبين ان الاتحاد بادرة بمنح الفلاحين بطاقة مهنية لاثبات ممارستهم لهذا النشاط كي لا يتعرضوا لمضايقات وحجز بضاعتهم على الطرقات.
ودعا الى اعتماد معرف جبائي موسمي او بتعريفة منخفضة، تكون في حدود 300 دينار في السنة، كي يتمكن من اصدار فواتير.
كما اقترح ان تتولى البلديات متابعة محلات بيع الخضر والغلال، واعتبارها كسوق يومي للإنتاج وتوفير فواتير، كما ستمكن من حماية الفلاح وتوفير عائدات للجماعات المحلية والبلديات والمساهمة في كل الدورة الاقتصادية.
وأكد ان التجار متخوفين من الدخول الى مناطق الإنتاج بسبب التخوفات من المضايقات على الطرقات وحجز البضاعة وغيرها.
وشدد على ضرورة حماية الفلاحين والمحافظة على الانتاج، داعيا رئيس الجمهورية بصفة عاجلة للحد من معاناة هذا القطاع.
وأشار في ذات السياق إلى أن الإنتاج الوطني من القوارص يقدر خلال هذا الموسم بـ384 الف طن وفق تقديرات وزارة الفلاحة، والاستهلاك الوطني لا يتجاوز 220 الف طن.
وطالب بضرورة التدخل للترويج للمنتوج التونسي الذي يلاقي اقبال كبير من الخارج والتوجه الى أسواق جديدة كي لا يضطر الفلاح الى القاء مجهوده في الطرقات مثلما حصل في السنوات السابقة، مذكرا بحادثة القاء الحليب والبرتقال والخوخ والتفاح على الطرقات في السابق.