تتوافد منذ ليلة السادس من أكتوبر حتى هذه الفترة بأعداد كبيرة، هي مراكب الصيد بالكيس بالسواحل الشمالية لجزيرة قرقنة، والتي تقوم بجرّ قاع البحر في أعماق تتراوح بين المترين والستة أمتار مخالفة القانون ومخلّفة أضرارا بيئية وأضرارا مادية لبحارة الصيد التقليدي بالمنطقة وفق ما بيّنه رئيس جمعية القراطن أحمد السويسي في حوار له مع تونيبزنس وما أكده لنا أحد بحارة المنطقة الناجي هديدر.
من 20 إلى 500 مركب حاليا.. عدد مراكب الصيد بالكيس يتضاعف كلما غابت رقابة السلطات
إشكال الصيد بالكيس في قرقنة يتكرر سنويا مع بداية شهر أكتوبر ويتمركز تحديدا في السواحل الشمالية للجزيرة، وهو نشاط غير قانوني، بين أحمد السويسي، فطريقة الصيد بالجر مرخص بها لمراكب الصيد بالأعماق “البلانصي” فقط وفي أعماق تتجاوز الخمسين مترا، في حين تقوم مراكب صيد ساحلي, والتي من المفترض أن تعتمد الوسائل التقليدية, باعتماد آلية الصيد بالكيس في أعماق قصيرة تتراوح بين مترين وستة أمتار.
وهذه الأعماق القصيرة حول سواحل قرقنة فيها ميزة بيئية تكمن في محافظتها على التنوع البيولوجي بفضل ثراءها بمعشبات البوزيدونيا أين تتكاثر وتبيض وتتربى مختلف الأنواع البحرية.
“هذه السنة انطلقت العملية من ليلة 6 أكتوبر, ليلة الانتخابات الرئاسية في تونس, وكأنها رسالة مضمونها مهما كان الذي سيتولى السلطة أو مهما تغير نحن نواصل ممارسة نشاطنا غير القانوني” قال السويسي.
ما يحدث سنويا هو أن هذه المراكب تقوم بحرث قاع البحر فمركب الصيد بالكيس يتكون من كيس كبير ومحراثين وسلسال مرتبط بالكيس حتى تبقى فتحته واسعة، وأثناء إبحار المركب يقوم المحراثين والسلسال بعملية حرث قاع البحر ويستقبل الكيس كل ما انجر عن الحرث من أسماك “وشوابي وقرنيط”، أوضح رئيس جمعية القراطن.
وحول عدد المراكب المخترقة قال السويسي أنه في بداية شهر أكتوبر من كل سنة يأتي ما يقارب 50 مركب ويقومون بالحرث وإذا لا يتم ردع هذه المجموعة الأولى فإن العدد سيتضاعف، فدورها يكمن في معاينة الوضع ونشر المعلومة حول وفرة الصيد وصرامة الرقابة.
وفي هذه السنة انطلق 20 مركب مع بداية أكتوبر ليرتفع العدد حاليا إلى أكثر من 500 مركب تقوم بعملية الجر آتية من مختلف سواحل الجمهورية، خاصة سواحل صفاقس وسواحل المهدية.
مضار مادية يتكبدها البحارة ومضار بيئية تلحق الأجيال القادمة
عملية الحرث تخرج الكائنات البحرية الموجودة داخل معشبات البوزيدونيا التي تتلف في الأثناء وهي التي تمثل رئتي البحر الأبيض المتوسط فهذه المعشبات توفر الأكسيجين والغذاء للكائنات البحرية بالإضافة إلى كونها تمثل ملجئ لهذه الكائنات، ولأن هذه المراكب تقوم بالجرّ ليلا نهارا ولفترات طويلة الأمد، وفق أحمد السويسي، فهي تدمر غابات البوزيدونيا ما ينجر عنه تصحر البحر وهو ما يدمر الثروات البحرية ويسلب حق الأجيال القادمة في تلك الثروات.
من الناحية المادية تخلف هذه العملية أضرارا على معدات الصيد التقليدية لبحارة الصيد التقليدي، ففي التقاليد القرقنية يتم صيد الأخطبوط باعتماد حجارة صيد, ومراكب الصيد بالكيس تبتلع في طريقها هذه الحجارة بعد سحقها ويتلفها فيما بعد أصحاب المراكب ونفس الأمر يحدث مع الشباك التي يضعها البحارة لصيد الأسماك والشوابي.
وحسب التقريب كلفة الشباك التي يضعها البحار التقليدي بالبحر لصيد الشوابي تساوي على الأقل 7 آلاف دينار وإذا تم اتلاف جزء منها إعادة ذلك الجزء ستكلف البحار على الأقل بين 2 إلى 3 آلاف دينار هذا في حال استطاع توفير المال لإصلاح الأمر وفي حال وجد المادة الأولية للشباك لأنه في ذروة العمل وتنامي الطلب عليها تصبح نادرة.
وحول عدد المتضررين من مراكب الصيد بالكيس قال أحمد السويسي إنه في ميناء القراطن نستطيع الحديث عن أكثر من 200 مركب متضرر وفي ميناء الصيد البحري بالعطايا في حدود 300 وكل مركب يشغل على الأقل 3 بحارة مع القبطان وكل منهم مسؤول على أسرة.
وفي شهادة لتونيبزنس قال أحد بحارة قرقنة الناجي هديدر, أنهم تضرروا على مستوى وفرة الإنتاج ففي حين يقومون بصيد كل منتج بحري في موسمه تأتي مراكب الصيد بالكيس لجمع الكائنات البحرية وهي صغيرة الحجم قبل موعد صيدها.
وحول تضرر معداتهم قال هديدر أنهم يتكبدون خسائر سنوية بين 7 و10 آلاف دينار مقابل وضعية مادية متواضعة “فبالكاد قادرين على خلاص فواتير الكهرباء والماء وعلى مصاريف أبناءنا من التلاميذ أو الطلبة”.
وأضاف البحار أنه بسبب إتلاف الشباك يبقى أحيانا لمدة شهر على الأقل بدون عمل حتى يستطيع إصلاح ما تلف من شباكه أو شراء الجديد منها هذا في حال كان لديه ما يكفي من المال.
وعود بحل الإشكال لا يقابلها الوضع على أرض الواقع
“في عهد بن علي كانت هذه المراكب تنشط خلسة فتخرج ليلا ولا تشعل الأضواء ولكن الأن أصبحت العملية تقام جهرا ليلا ونهارا عدى أن هذه المراكب تخرج من مراسي تابعة للدولة جاهزة بمعداتها مما يعني أن الدولة إذا أرادت التدخل ستتدخل من فضاءات الرسو مباشرة دون الحاجة الى دخول البحر” قال أحمد السويسي.
وأضاف أنه يوم 17 أكتوبر 2024 راسلت الجمعية كل من معتمد قرقنة، والي صفاقس، وزير الفلاحة، المدير العام للصيد البحري، آمر الحرس الوطني، وزير البيئة، ورئاسة الحكومة عبر مراسلة مشتركة.
فتم بالتالي عقد جلسة يوم 18 أكتوبر جمعت البحارة وجمعية القراطن واتحاد الفلاحة والصيد البحري إدارة الصيد البحري المعتمد والحرس البحري، متى وعد المعتمد، الذي تسلم مهامه مؤخرا، بتطبيق القانون على المخالفين ولكن على أرض الواقع لم يتغير شيء، وفق رئيس جمعية القراطن.
“حان الوقت لتتدخل الدولة من خلال مختلف مؤسساتها المعنية فمن غير المعقول أن يتواجد الحرس البحري التابع لوزارة الداخلية يوميا في البحر ويشاهد ما يرتكب من جرائم ولا يتدخل ونحن نعلم جيدا أنهم إذا أرادوا صد الظاهرة لقاموا بذلك”، قال السويسي، متسائلا عن سبب عدم التدخل ومقدما فرضيتين “إما لامبالاة من قبل الإدارات المعنية أو فساد في صفوف الأفراد التي من المفترض أنها تطبق القانون”.
في هذا السياق طالب ناجي هديدر بتدخل الجيش الوطني لتطبيق القانون على مراكب الصيد بالكيس، ” فأحيانا يأتي قرابة 200 و300 مركب مع بعضهم البعض حتى لا تستطيع صدهم قوات الحرس البحري، هذا غير معقول فهؤلاء الأفراد ليسوا في دولة لوحدهم بل في دولة تونس أين يجب تطبيق القانون”، قال هديدر.
ووجه البحّار رسالة لرئيس الجمهورية مفادها: “لا نريد مسؤولين قابعين في مكاتبهم بل مسؤولين ينزلون إلى الميدان هنا في جزيرة قرقنة وخاصة منطقة القراطن ليعاينوا معاناة الناس”.
وأضاف منذ سنوات ونحن نطالب بتطبيق القانون وحمايتنا وفي كل مرّة يستمع إلينا المسؤولين من وزراء أو ولاة ويعدون بحل الإشكال ولكن في الواقع لا يتغير شيء.