اليوم، يُجري النقاش حول مشروع قانون أساسي يختص بإقرار اتفاقية المقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية. يلاحظ المراقب بسهولة التناقض في مواقف بعض النواب المؤيدين للاتفاقية مع رسائل تعزيز السيادة الوطنية، بينما يعتمد المعارضون للاتفاقية على خطاب السيادة الذي انتشر عبر جميع أركان السلطة الحاكمة.
خلال بداية النقاش، أكدت النائبة فاطمة المسدي في كلمتها بالجلسة العامة أن هذه الاتفاقية لا يمكن قبولها شكليا لأنها تحظى بمكانة اتفاقية دولية في حين أن الطرف الآخر هو صندوق استثمار قطري وليس الدولة القطرية، وهو ما يخالف الاتفاقيات الدولية التقليدية وخصوصًا اتفاقية فيينا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وأفادت فاطمة المسدي بأن توقيع الاتفاقية بهذه الصورة يشكل إساءة لتونس ولا يجب قبولها بحسب قولها، مشيرة إلى أن برلمان 25 جويلية، على عكس البرلمانات السابقة، لا يقدم أي امتيازات أو تسهيلات للدول من أجل تمرير القوانين والقرارات التي تناسبها.
النائبة بسمة الهمامي رأت أن هذه الاتفاقية، التي بدأ ترسيخها منذ العقد الماضي، لا تزال موقعة من قبل وزير في حكومة النهضة وفق قولها، داعية إلى الحاجة إلى المزيد من النقاش حول فصولها وبنودها وعدم الاستعجال في التوقيع عليها لتجنب ورطة الدولة التونسية في عدة ملفات معقدة.
النائب بوبكر بن يحيى من كتلة الخط الوطني السيادي أكد أن بعض الفصول داخل الاتفاقية تؤثر على السيادة التونسية والقرار الوطني، وأشار إلى أنه كان من الأجدى لتونس أن تجد آليات أخرى للبحث عن تمويلات خارجية أو داخلية كالتصرف في الأملاك المصادرة وملف الصلح الجزائي حسب تقديره.
ووصف النائب عبد القادر بن زينب الاتفاقية بأنها مُفخخة وتمثل استعمارًا مقننًا ومغلفًا بحسب قوله، مشيرًا إلى أن بنود امتلاك الأراضي التونسية وتوظيف الأجانب على الأراضي التونسية تشكل خطرًا على سيادة وأمن البلاد، إضافةً إلى أنها لا تتوافق مع التوجهات التي يرفضها رئيس الجمهورية الرافض لسياسة لي الذراع التي حاولت الصناديق الدولية فرضها على تونس وفق تعبيره.
النائب أحمد سعيداني تناول توقيت عرض الاتفاقية على البرلمان قبل 5 أشهر من الانتخابات الرئاسية، متسائلًا عما إذا كانت الحكومة واعية بمتطلبات المرحلة. وأكد على التناقض الجوهري لهذه الاتفاقية مع محورين يطرحهما رئيس الجمهورية؛ أولهما السيادة الوطنية وثانيهما الاعتماد على الذات.
نائب رئيس لجنة تنظيم الإدارة والرقمنة ومقاومة الفساد بالبرلمان، سامي الرايس، ذكر أن الموافقة على اتفاقية المقر بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية ستكون ذات أهمية اقتصادية، بحسب رأيه.
وأشار إلى أن عدة مشاريع تنتظر الموافقة على الاتفاقية مثل مستشفى منوبة الذي يحتاج إلى تمويل بقيمة 82 مليون دولار، لافتًا إلى إمكانية تغيير بعض فصول الاتفاقية.
وأوضح أن الاتفاقية ستُوفّر موارد مالية للدولة التونسية خاصة أن ميزانية عام 2024 تعاني من ضغوطات مالية والحكومة تبحث عن تمويلات جديدة، حسب قوله.
الصحفية حنان فتوحي سردت اليوم بنود ولادة هذه الاتفاقية مشيرة إلى أن مشروع هذا القانون سيحصل اليوم على موافقة البرلمان بأغلبية مريحة كما كان الحال في برلمان النهضة. تغيرت الأغلبيات والنظام الحاكم ولكن الاختيارات الاقتصادية بقيت على حالها والأوضاع الاقتصادية والمالية أصبحت أكثر هشاشة مما كانت في 2021.
وأشارت فتوحي إلى أن الجدل حول هذه الاتفاقية بدأ منذ توقيعها في عام 2019 بين الوزير زياد العذاري وتصاعدت حدة الصراع السياسي حولها في البرلمان، وتمت المصادقة عليها في جلسة 30 جوان 2021 بأكثر من 120 نائب ورفضت مؤسسة رئاسة الجمهورية ختمها ونشرها بالرائد الرسمي.
وتقول فتوحي إن مؤسسة رئاسة الجمهورية نفسها تعيد اليوم طرح المبادرة وطلب المصادقة على مشروع القانون وقادت الحكومة عبر وزارات الخارجية والاستثمار والمالية النقاشات تحت قبة البرلمان وخلال عرض المشروع داخل لجنة الشؤون الخارجية، وتم إشعار النواب رسميًا بضرورة الإسراع في المصادقة على المشروع وفعلًا، صادقت اللجنة المعنية عليه وأحالته إلى الجلسة العامة مع التوصية بالمصادقة عليه بالكامل.