في ذكرى “يوم الأرض”.. الدماء تمتزج بين التونسيين والفلسطينيين وتشتد القناعة بانتصار فلسطين

وليد الخطيب

تحرير أيمن الزمالي “قلبي وروحي معلقان في مخيمات رفح، أين لجأ طفلاي مع أمهما إلى خيمة في ظروف تنعدم فيها أبسط المستلزمات الإنسانية”، يتحدث “يحيى قاعود”، الفلسطيني المقيم حاليا بتونس، بكل حرقة.

يضيف يحيى “عائلتي لجأت إلى المخيم بعد قصف العمارة الواقعة بمنطقة الزهرة بغزة، التي كنا نقطنها .. هذه الضاحية، المطلة على البحر، جرى تدميرها بالكامل وإجلاء سكانها من قبل العدو الصهيوني”.

غادر “يحيى قاعود” قطاع غزة الفلسطيني أياما قليلة قبل انطلاق عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الماضي، متوجها إلى تونس لاستكمال دراسته العليا لنيل شهادة الدكتوراه، تاركا ورائه عائلته وأصدقائه، الذين استُشهد منهم من استُشهد وجُرح من جُرح وهُجر من هُجر.

يسرد يحيى، هذه الوقائع بتأثر بالغ ويضيف قائلا “لم أكن أعلم أن الأمور ستتطور بتلك السرعة، وأنني لن أتمكن من العودة لحماية طفلاي وأمهما “.

يواصل الحديث مستدركا “عزائي الوحيد اليوم أنني أقيم بين أهلي في تونس وكأني في وطني فلسطين .. أنا منبهر بالدعم والتعاطف الرسمي والمجتمعي الذي ألمسه في كل تفصيلة في هذا البلد الشقيق، وكذلك بالإصرار على إحياء يوم الأرض في كل أرض تونس تقريبا”.

ويحيي الفلسطينيون، غدا السبت، الذكرى الثامنة والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني .. هذه المناسبة التي أصبحت رمزا للدفاع عن الأرض المحتلة منذ أحداث عام 1976، حين هبّت حشود فلسطينية في “أراضي الـ48” ساخطة على سياسات المصادرة والتجريف والاستيطان والتهويد، التي ينتهجها الكيان الصهيوني.

وتستعد منظمات وجمعيات في تونس لتنظيم مسيرة وطنية بالمناسبة، إذ من المنتظر أن تنطلق التظاهرة مساء غد السبت بالعاصمة إثر موعد الإفطار.

ويتزامن إحياء هذه الذكرى مع العدوان الهمجي للكيان المحتل على قطاع غزة، الذي خلف قرابة 33 ألف قتيل وحوالي 75 ألف جريح منذ أكتوبر الماضي.

وتقف تونس على المستويين الشعبي والرسمي إلى جانب القضية الفلسطينية، وهو ما يبرز في المواقف الرسمية وفي التحركات الشعبية والتظاهرات التي تنظمها أحزاب ومنظمات وجمعيات.

دم واحد وقضية واحدة !

ليلة الثالث والعشرين من أكتوبر 2023، وبعد أسبوع عن انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، أطلقت المقاومة الفلسطينية مسيّرات تحمل اسم مهندس الطيران التونسي “محمد الزواري”، من منصاتها في غزة، للمرة الأولى، لتدك قوات العدو الصهيوني.

وذكر بيان لكتائب المقاومة (القسام/حماس) “أن إحدى طائرتي زواري الهجوميتين استهدفت السرب 107 “فرسان الذيل البرتقالي” التابع للقوات الجوية الصهيونية والموجود في قاعدة حتسريم، في حين استهدفت الثانية “مقر قيادة فرقة سيناء الموجود في قاعدة تسيلم العسكرية”.

محمد الزواري، الذي انتمى إلى إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية، هو مهندس طيران تونسي اغتيل يوم 15 ديسمبر 2016 في وضح النهار أمام منزله في صفاقس، ورجحت تقارير ظلوع “الموساد” في اغتياله.

لم يكن الزواري التونسي الوحيد الذي انضم إلى المقاومة الفلسطينية، إذ يقول أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبد اللطيف الحناشي، “إن تاريخا حافلا شهد على اختلاط الدم التونسي بالدم الفلسطيني، في إطار مكافحة الاستعمار الصهيوني الغاشم”.

وذكر أن من بواعث هذا التاريخ “التصدي للصهاينة في حرب 1948، وهو ما استمر بانضمام الفدائيين لصفوف المقاومة في لبنان وسوريا”.

وكتب أستاذ التاريخ المعاصر هاني الشهيدي، في مقال نشره بموقع مركز دراسات الوحدة العربية، “أن عموم التونسيّين تفاعلوا مع القضيّة الفلسطينيّة منذ أطوارها الأولى”.

ويضيف “هذا التفاعل أخذ منحى أعمق وأشمل مع صدور قرار التقسيم واندلاع الحرب أواخر سنة 1947، ليصبحوا طرفًا فيها .. إذ تطوّع الآلاف للدّفاع عن فلسطين”.

وقًدر اعداد المتطوعين بنحو ألفي شخص، توزعوا على مدن تونس العاصمة بـ 657 متطوعاً وصفاقس بـ 276 متطوعاً والساحل بـ 256 متطوعا وقابس وبقية الجنوب التونسي بـ 222 متطوعاً”.

من جانبه، دوّن الأستاذ والناشط السياسي علي سليمان، بصفحته على موقع فيسبوك ، أنه “قبل 46 عاما وفي مثل هذه الأيام من مارس 1978 اجتاح الكيان الصهيوني جنوب لبنان .. رمينا الكتب الجامعية والدفاتر والأقلام واستبدلناها ببندقية المقاومة بجنوب لبنان ضمن معسكرات المقاومة الفلسطينية”.

وذكر عددا من رفاقه الذين صاحبوه، ومنهم أستاذ الفلسفة زكي العبيدي والدكتور أستاذ العلوم السياسية بشير الظاهري ورفيقهم الراحل أستاذ الرياضيات عمري عبد الوهاب.

واصل سليمان تدوينته قائلا “سنورث خلفنا وسنعلم أحفادنا أن فلسطين ستنتصر ..”

كان الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، أستاذ الجامعة التونسية المختص في التاريخ، وصاحب كتابي “بورقيبة والقضية الفلسطينية و”تطور الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينة”، ضمن هذه المجموعة الفدائية، وتجند ضمن تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يقول الحناشي، لـ(وات)، “إن الشهداء الذين التحموا بالقضية الفلسطينية وشاركوا في المقاومة ضد العدو منذ نهاية السبعينات إلى حدود بداية تسعينات القرن الآفل كانوا بالعشرات، أغلبهم من أبناء اليسار والقوميين ..

ويردف “لقد تجندوا وتطوعوا، ضمن فصائل المقاومة بالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وفصائل فتح بلبنان وسوريا”.

بعد الحرب اللبنانية الإسرائيلية سنة 2006، انتهت عمليات التسوية باستعادة المقاومة اللبنانية لرفاة عدد من الشهداء، وكان بينهم تونسيون.

ومن بين هؤلاء الشهداء، ميلود بن ناجح، الذي استشهد في 27 نوفمبر 1948 خلال عملية الطائرات الشراعية التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعمران الكيلاني المقدمي الذي استشهد في 26 أبريل 1988 في عملية استشهادية نوعية أخرى، وفق الحناشي.

وشملت العملية أيضا استرجاع جثامين عدد آخر من الشهداء، كانت تونس تسلمتهم ووقع دفنهم في مناطقهم الأصلية.

اعتداءات صهيونية على تونس في البال..

ذات يوم هادئ من عام 1985 بمدينة حمام الشط الساحلية الواقعة بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، وعلى الساعة العاشرة صباحاً، تهاطلت القنابل من طائرات “الأف 15″ الصهيونية مستهدفة مقرًا قيادة منظمة التـحرير أو ما كان يُعرف بـ”مقر عرفات”.

فشلت العملية العدوانية، التي أطلق الجيش الصهيوني عليها إسم “الساق الخشبية”، في استهداف اجتماع هام لقيادات في منظـمة التحرير، يتقدمهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)”، يتابع الحناشي.

أدت هذه العملية، وفق تقرير للسلطات التونسية قدمته للأمم المتحـدة، إلى استشهاد 50 فلسطينياً و18 تونسيا وجرح 100 شخصٍ، مع تعداد خسائر مادية قدرت بـ 8.5 مليون دولار أمريكي.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version